كهنوت الطب
في البداية أحب أن ألفت الإنتباه أن الإنسان يحتاج لإجازة كل فترة من الزمن ليبتعد عن كل شيء روتيني ومقلق في حياته، فليس من الحكمة العيش في ساقية طوال الوقت، فذلك مدمر للصحة والأعصاب والنفسية وقدرة الإنسان على التحمل.
يمكنك الآن حجز استشارة مع ندى حرفوش من هنا،
لتحصل على برنامجا صحيا متكاملا ومصمما خصيصاً لك لمساعدتك على التعافي من مشاكلك الصحية بالطرق الطبيعية
أما مقال هذا اليوم فهو موجه لكل شخص أخبروه بأنه يعاني من مرض مناعي أو مرض مزمن أو أي مرض ليس له علاج... ولكل شخص يعاني مشكلة صحية لا يعرف سببها. حيث يتحدث هذا المقال عن أهم الأساسيات التي يجب أن يفهمها أي شخص مهتم بمجال الصحة الجسدية والنفسية. فنحن في عصر المعلومة والتكنولوجيا، نتابع العديد من الأطباء وأخصائيي التغذية والأشخاص الذين ينقلون تجاربهم الشخصية. مما يجعلنا نعاني من تضارب كبير في المعلومات. فمثلا يقول أحدهم اشربوا الحليب، وآخر يحذر بأن الحليب خطر وسمّ، وآخر يقول أوقفوا البروتين واتبعوا نظاما نباتيا، وآخر ينصح باتباع حمية قائمة على اللحوم فقط، وآخر يسبّ المخالف له في الفكر ويتهمه بالجهل وعدم الفهم. ونحن نقف بينهم واقعين في حيرة، لا نعلم من سنصدق، فكل طرف فيهم لديه أدلة ومصادر علمية.
لن أناقش هنا إن كان الحليب جيد أم سيئ، ولا إن كان البروتين الحيواني مهم ولا يجب الاعتماد على البروتين النباتي فقط، ولا سأنتقد فكرة بعينها وأفندها، بل سأناقش موضوع: كيف أستطيع تقييم المعلومة؟ وكيف أستطيع الحكم على الشيء إن كان صحيحا أم خاطئا؟
تعدد الآراء:
دعونا نأخذ الأمر من منظور إيجابي، فأنا لا أحب التشاؤم. إن الإختلاف وتعدد الآراء يضع المعلومة أمامك ويسلط الضوء عليها. وقد كان من الممكن ألّا تصل للمعلومة وحدك ابدا إلا لو تم ذكرها وتسليط الضوء عليها، لتبدأ أنت البحث والتصفية... إذن إن في الاختلاف رحمة.
أما المشكلة الحقيقية فلا تكمن في الاختلاف، وإنما في كل شخص يقول لك أنا ذو الرأي السديد والبقية فاسدة آراؤهم. فقد يعتقد كل شخص بصحة أفكاره وقراراته، ولكن ليس عليه الحكم على الآخرين بالخطأ. فالحكم على الأمور لا يكون بالأسود والأبيض، فهناك عدد لا نهائي من الألوان بينهما، وإن لم تكن ترى كل تلك الألوان فذلك ينم عن مشكلة لديك بالتأكيد.
حينما شفيت من الأمراض المناعية والمزمنة بحمد الله عن طريق الغذاء، وبحثت ودرست وتعلمت وغربلت ما تعلمته وبدأت بمشروعي لأبدأ الحديث معكم عن التغذية والأنظمة الغذائية وإمكانية العلاج والشفاء من الأمراض المزمنة عن طريق التغذية لم أفاجأ من إنكار الأشخاص للقدرة والإمكانية على تطبيق قواعد الأنظمة، واستنكار وجود أصناف كافية من الطعام إن أقلعنا عن الأطعمة الممنوعة. هذا الكلام كله طبيعي، لأن التغيير دائما صعب، فيميل الإنسان لما اعتاده، فلا يريد غيره، بل قد يصم آذانه عن المعلومة حتى لا يسمعها لأن ذلك هو الأسهل له. هذا وأنا أوجه حديثي للأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة ولديهم إصرار على العلاج، وأشخاص اختاروا العيش ضمن نظام صحي لحماية أنفسهم من الأمراض وليس لديهم مشكلة في التخلي عن أنماط حياة خاطئة حتى لو فيها متعة، وذلك في سبيل الحفاظ على الصحة... لذا فحديثي غير موجه لكل الناس بالأصل.
ولكن الصدمة الحقيقية لي كانت حينما اكتشفت وجود نوع من الكهنوت يسمى كهنوت الطب (السلطة العليا للأطباء)، حيث تجد الأطباء يقولون لك: عليك بأخذ المعلومة مني أنا فقط، وإن أي شخص يمدك بأي معلومة من أي نوع فيخالفني في كلامي فهو بالضرورة نصاب ومدعي... حتى أن بعض الأطباء يتبنون فكرة حظر القراءة والبحث في الدراسات العلمية لغير الأطباء... وهذا أمر مضحك جدا. لأن الدراسات العلمية المنشورة على الإنترنت والمتاحة لكافة الناس هم يرون أنها حق محتكر للأطباء فقط، وليس على أي شخص آخر البحث عنها وقراءتها؛ فهم يرون أنفسهم مصدر الحقيقة.
أخبروني.. هل الشهادة العلمية التي يحصل عليها الشخص القارئ هي من تحدد مدى صحتها؟ أما أنها معلومة واحدة ومثبتة بغض النظر عن خلفية القارئ!
برأيي أن من يروّج لفكرة كهذه يكون إما غير واثق في معلوماته، أو أنه يريد الانفراد بكونه المصدر الوحيد للمعلومات، حتى أنه من غير المسموح للآخرين بالتأكد والبحث أو التفكير... وهذا هو الكهنوت بعينه.
وفي حين غياب الحجب بين الإنسان وربه، واستطاعته البحث والتفكير ومعرفة الخالق بطريقته، يكون العلم والمعلومات الموجودة و المتاحة ممنوع علينا معرفتها بأنفسنا... فإما الطبيب وإما لا أحد...
أنا شخصيا لا أقبل أن يستخف أحد بعقلي وذكائي الذي وهبني إياه الله ثم أمرني بالتفكير والبحث والشك، وهو ما أريد بالظبط إيصاله للأشخاص المقصودين بالمقال. فلا يدعون أحدا يوقعهم بفخ الخوف أو السجن أو تحديد الأفكار. فكلمات "مرض مزمن" و "لا أمل لك" كافية لسجن الشخص في وصفة علاج لا تنتهي، وتحدد ماهو الصح وما هو الخطأ، ومن ستسمع ومن ستترك.
لذا إن ظهر لكم أحد يقول تابعني أنا فقط... أو أنا من يقول لك المعلومات الصحيحة والبقية مخطئون، فعليكم الهروب من هذا الشخص وعدم الاستماع له مرة أخرى، حتى إن كنت أنا، فمن يسد في وجهك الأبواب المفتوحة فهو على المؤكد أغراضه ليست سليمة.
إن الله حين خلق الإنسان أكرمه وميزه بعقله.. الآلة الأذكى على وجه الأرض. فلو كان يريد فئة معينة من الناس تتحكم في البقية لكان أعطاهم العقول دون باقي الخلق. ولكن الله أجمل وأعظم من هذا بكثير، فهو لم يعطِ السلطة لنفس على نفس، بل على العكس أمرنا باستخدام عقولنا والتفكير بما هو مناسب لنا وما هو غير مناسب.
كيف نستطيع اختيار الأشخاص الذين نستمع إليهم؟
لا يمتلك الجميع رفاهية الوقت للبحث والوصول إلى المعلومة الصحيحة وسط كل المعلومات المتضاربة، لذا نحتاج اختيار من نستمع إليهم من خلال عمل قائمة نستبعد منها:
1- كل شخص لا يتقبل الاختلاف، ويشتم الآخرين، ويصف الأمور بالصح والخطأ، والأبيض والأسود، لأن هذا الشخص يريد احتكار الحقيقة، وهو في الغالب غير أمين وغير منصف، فالعلم نفسه غير قائم على معلومات ثابتة، بل يعتمد على التغير والتحديث. ففي كل يوم تظهر نظريات علمية جديدة، يتم إثباتها أو دحضها واكتشاف خطئها لتظهر نظريات أخرى تقول كلاما جديدا، فالعلم سباق لإثبات صحة المعلومة، وليس لإثبات من هو الأصح.
فنحن كأشخاص نجتهد بمحاولة الوصول للأفضل والأنسب ولما يساعدنا على العيش بصحة وكسب حياة أفضل. فلا وجود لمن يمتلك الحقيقة المطلقة، حيث لا توجد طريقة لإثبات الحقيقة بشكل مطلق؛ ففي مقابل كل دراسة علمية هناك دراسة أخرى تثبت عكسها؛ لأن الدراسات العلمية في أغلبها ممول من شركات وقطاعات تريليونية لتخدم مصالحها وتؤكد صحة منتجاتهم.
وقد تكلم الدكتور (Mark Hyman) عن الأمر في كتابه (Eat fat get thin)، حيث قال أن التمويل فكرة مهمة جدا، لأن الأبحاث العلمية مكلفة جدا وتحتاج تمويلات بمئات الدولارات، وأن التمويل عادة يأتي من مصدرين: المعهد القومي للصحة (National institute of health) –وهو الذي المصدر الذي أعتمد عليه في مقالاتي-، أو شركات الأدوية العملاقة.
فمثلا حين يموّل المجلس القومي للألبان (National diary council) دراسة عن اللبن الطبيعي، فتثبت الدراسة أن اللبن صحي... وحين تموّل شركة كوكاكولا دراسة عن المشروبات المحلاة بالسكر، فتثبت أنه لا علاقة بين الكوكاكولا والإصابة بالسمنة والأمراض... فنتيجة تلك الدراسات لا تؤخذ بعين الاعتبار لأنها تخدم مصالح المؤسسات الممولة.
لذا فإن الدراسات العلمية ليست حقيقة قاطعة ونهائية، بل هي معلومة تحتاج للغربلة بمعرفة جهة التمويل ومصالحها.
فهناك شركات غذائية من شركات صناعة السكريات الكبيرة (big sugar companies) تمول مؤتمرات علمية يحضرها أطباء من كل دول العالم لترويج فكرة أن السكر شيء صحي وضروري الوجود في النظام الغذائي. أليس ذلك مدعاة للتأمل والتفكر! لذلك أقول لك لا تصدق أحدا يقول أنا على حق والبقية على خطأ لأنه يعلم ومتأكد في قرارة نفسه أنه لا يوجد حق مطلق...
2- من يعاملك على أنك مجرد حالة أو رقم أو زبون أو يجبرك على شيء معين ليحقق ربحا له. وإني أؤمن بأن لكل شيء ذو قيمة يجب أن يكون له ثمن، فأي شخص يقدم خدمة أو معلومة اجتهد فيها فمن حقه أن يأخذ مقابلا بدلا عنها، فهذه سنة الكون لو أخلّينا بها سنتضرر، ولكن من المعيب استغلال الناس.
مثلا، أنا أقدم كل المعلومات لدي على قناتي بشكل مجاني تماما، ولكن في ذات الوقت لا أقوم بعمل برامج خاصة مجانية، لأن البرامج الخاصة تتطلب وقتا وجهدا ومتابعة، وأنا لا أستطيع تقديم ذلك بشكل مجاني لأنه أمر غير عادل، في المقابل لا أستطيع القول لأحد بأنه سيعيش سجين الوصفة الطبية التي سأكتبها له، أو الفيتامينات أو النظام الغذائي، أو عليك شراء الدواء من المكان الفلاني وأقوم بكتابة شفرات غريبة لا يفهمها إلا صيدلي خاص لأحتفظ بنسبتي في المبيعات!
وإن مشكلة الكسب من مبيعات الأدوية تكمن في وجود فائدة حقيقية منها، وأن يتم استهداف صيدلية معينة، ليلف المريض على خمسين صيدلية ليجد الصيدلية المستهدفة التي تستطيع قراءة تلك التعويذات التي كتبها الطبيب خصيصا له، وإن في ذلك إهانة كبيرة للمريض واستهانة بحالته الصحية. لذا لا تثق في أحد لا يحترمك ويحترم إنسانيتك وآدميتك.
3- أي شخص يقولك لك لا يوجد علاج لحالتك لأنك لن تشفى أبدا.. طالما أني لن أشفى فلماذا تقول أنك تعالجني، ولماذا آتي لك؟
لقد مررت بتجربة السجن في الوصفة الطبية، ولم أشفى من خلالها، على العكس، كل دواء كنت أتناوله كان يتسبب لي بحالة ومضاعفات تستدعي دواء آخر وطبيب آخر ووصفة أخرى فأدور في حلقة لا تنتهي، حتى أصبحت لدي حقيبة كبيرة من الأدوية وأنا في عمر السادسة والعشرين فقط.
فإن كنت لن أشفى، فلماذا تصف لي هذا الكم من الأدوية؟ ولماذا تقول بأن هذا علاج طالما لا يشفي أو يعالج؟
فيجيب البعض بأنها عقاقير تحميك من تفاقم مضاعفات المرض. والسؤال الذي يجب طرحه هنا، هل هذا العقار يحميك فعلا؟ هل مرضى الروماتويد الذين تناولوا العقاقير التقليدية لمدة طويلة قد لمسوا أي تحسن أو شفاء؟ هل منعت هذه العقاقير الهجمات؟ إن كان أحد من المتابعين قد لمس تحسنا من تناول العقاقير سواء كان من مرضى الروماتويد أو مرض مزمن آخر أو مناعي، أو تجنب مضاعفات مرض الروماتويد من تشوهات وارتشاح مفاصل والإصابة بأمراض مناعية أخرى بسبب الأدوية المثبطة للمناعة التي من المفترض أنها تعالج الروماتويد وهم يقولون أنه لا يعالج في ذات الوقت، فليكتب لي في التعليقات لأعرف أني مخطئة.
أعلم أني صريحة جدا هذا اليوم، وأنني أقول كلاما لا يصح قوله، ولكني أجد الألم قد فاض بي مما أراه كل يوم وأسمعه لأشخاص يأتون إلي لمتابعتهم لأجدهم في حالة متأخرة فعلا، فهم مصابون منذ سنين طويلة، وكانوا يتلقون العلاجات التقليدية وعقاقير الكورتيزون ومثبطات المناعة طوال تلك الفترة دون أي تحسن.
كيف نختار الشخصيات التي نستمع إليها؟
علينا اختيار الشخص الذي تتوافر فيه الصفات التالية:
- من يحترمك ويحترم عقلك.
- من يخاطب فيك العقل ويطلب منك البحث عن المعلومة بنفسك.
- من يكلمك بالمنطق ويفتح لك الأفق ويمدك بالمعلومات الجديدة ويعطيك الأدوات التي تستطيع استخدامها في البحث حتى تصل للمعلومة الأنسب.
- من له مدرسة خاصة فيما يقول، حتى إن كان عكس مدرستي أنا شخصيا. فمدرستي هي العودة إلى الطبيعة قدر الإمكان والاتصال بها، والبعد عن الأكل المصنّع والسكريات والكربوهيدرات، واتباع الصيام والرياضة والاهتمام بالصحة النفسية.
بينما هناك أشخاص لديهم مدارس مختلفة، أو أشخاص أختلف معهم بالأفكار، ولكن هذا لا يقلل أبدا منهم أو من مجهودهم واجتهادهم، أيا كانت شهاداتهم أو خلفياتهم.
جد لنفسك الأفضل والأكثر مناسبة لشخصك وطريقك. من تجد معه النتائج الإيجابية، وتتحسن معه صحتك ونفسيتك، وتجد أنك تتعالج فعليا وتشفى على طريقته. هذا هو المقياس الأهم.. أن تجد نفسك تتعافى، فتترك المسكنات ولا تتناول أي شيء يؤذي جسدك ليصلح أمرا ويدمر عشرا.
كلمة أخيرة:
إني أؤمن بأن كلا منا لديه في قلبه بوصلة يجب أن يصدقها لتضعه على الطريق الصحيح، فحين يكذبها يقع في المشاكل، ويتوه ويضيع.
لقد تمت برمجتنا مع الأسف على تكذيب شعور القلب، وعدم تصديق بوصلتنا، وأن نمشي في الطريق الذي رسم لنا حتى نكون جزءا من النظام العالمي الذي يبيع لك كل ما يتسبب في مرضك، ليعود فيبيعك الدواء، الذي يحتاج لدواء آخر لعمله، أو يتسبب في حالة تستدعي تناول دواء آخر...
لا أحد يقول لك: أصلح من نفسيتك، وأصلح من أمعائك، وتناول فيتاميناتك بالرغم من رخص ثمنها بالمقارنة مع الأدوية، وعدم اضطرارك لتناولها باستمرار، ومساعدتها على شفائك.. لأن ذلك يقع خارج النظام العالمي والحلقة المفرغة التي تميتنا.
لذا لا تصدق قبل أن تشك، ثم تفكر وتتأمل وتبحث عن الحقيقة بنفسك. دع دماغك تعمل واستفت قلبك ولو أفتوك...