logo

تسجيل الدخول

اشتراك جديد
البحث
البحث
علاج صدمات الطفولة / رحلة نحو الوعي والتغيير الإيجابي
بقلم : ندى حرفوش
blog-img
التعافي من صدمات الطفولة ليست رحلة يسيرة؛ قد تكون طويلة أو قصيرة، مؤلمة لكن حتمية للنمو الشخصي. ننتهي منها مختلفين، أكثر فهمًا ووعيًا، ما يجلب الراحة والسعادة. الابتعاد عن ذاتنا وعدم الاستماع إلى أصواتنا الداخلية يؤدي إلى الألم والتعاسة. في هذه السلسلة، نبحث عن الشفاء من الصدمات، سواء كانت من الطفولة أو مراحل لاحقة. نناقش هنا خطورة صدمات الطفولة غير المعالجة وأهمية العلاج والتواصل. سألخص الأنواع الرئيسية للصدمات وأتطرق إلى التأثيرات النفسية والجسدية لعدم التعافي من الصدمات. أهمية العلاج تكمن في التحرر من المفاهيم الخاطئة والسلوكيات السلبية التي تعيقنا. سأشارك تجربتي وما تعلمته وطبقته لتحقيق الرفاهية. أشدد على أن الجميع لديه صدمات، والتعامل معها يتطلب مواجهة وتفهم ذواتنا والعمل على التحسين المستمر. هذا المقال يهدف إلى توفير نظرة عامة ودعوة للبدء في رحلة الشفاء والتعافي، مع التأكيد على الصحة النفسية والسعادة كأهداف رئيسية. تابعونا في هذه الرحلة نحو الوعي والتغيير الإيجابي.

التغلب على اضطرابات ما بعد الصدمات


صدمات الطفولة

حدثتكم في مقال سابق عن صدمات الطفولة وخطورتها على الصحة الجسدية والنفسية إن لم يتم علاجها، وكيف نعرف بوجود صدمة لم يتم التعافي منها.  بإمكانكم قراءة المقال من هنا. والصدمة باختصار هي حدث فارق في حياتنا، ليس لدينا القدرة على استيعابه أو تحمله نفسيا وعاطفيا وفكريا، يغيرنا من داخلنا، يغير فهمنا ونظرتنا للحياة بشكل سلبي. وصدمات الطفولة، هي المرور بأحداث تحمل كل هذه السمات ولكن في مرحلة الطفولة.

وتكون الصدمات إما بالفقد، أي رحيل شخص عزيز، أو فقدان وظيفة، أو إنهاء علاقة شخصية، أو إنهاء علاقة عاطفية بالطلاق أو الانفصال، أو بحصول حوادث ينتج عنها ألم جسدي كبير. أما صدمات الطفولة فتكون بسبب الإهمال، والعنف المنزلي -سواء كان الطفل هو المعنف أو شخص آخر في الأسرة-، والتحرش الجنسي، والإهانة، والمقارنات، والتنمر، والنبذ المجتمعي، أو طلاق الأبوين بشكل غير متحضر ودون تمهيدات للطفل.

 

أما في هذا المقال سأحدثكم عن رحلة التعافي من صدمات الطفولة. أعلم أنها رحلة ليست سهلة، وقد تكون طويلة أو قصيرة، وقد تكون مؤلمة جدا، ولكن من المؤكد أننا لا ننهيها كما بدأناها، حيث نتحول إلى أشخاص مختلفين، أكثر تفهما ووعيا وإدراكا، وبالتالي أكثر ارتياحا. فمن يقوم بفعل الشيء عن وعي وإدراك هو دائما شخص أكثر سعادة، لأن انفصالنا عن أنفسنا وعدم سماع صوت ذاتنا لدرجة عدم القدرة على تمييزه، فهذا هو أصل كل شر وتعاسة في حياتنا.

هذا المقال هو أولى مقالات سلسلة التعافي من الصدمات، سواء كانت من صدمات الطفولة أو صدمات مرحلة البلوغ والنضج.  وأود التنويه أنني لست مدرب حياة (Life coach) أو معالجا نفسيا (Psychotherapist)، ولكني شخص أبحث عن العيش بصحة وراحة وسعادة، وهو ما أحاول الوصول إليه طوال الوقت، فنحن لسنا مضطرين للعيش في ألم ومرض وشقاء طوال الوقت، بل نستطيع أن نكون جيدين من خلال بعض الوعي فقط.

يمكنك الآن حجز استشارة مع ندى حرفوش من هنا،

لتحصل على برنامجا صحيا متكاملا ومصمما خصيصاً لك لمساعدتك على التعافي من مشاكلك الصحية بالطرق الطبيعية 



من هم الناس الذين يعانون من الصدمات؟ ومن الذي يحتاج لعلاج الصدمات؟

لا تتفاجأوا إن قلت لكم "نحن جميعا"، فجميعنا دون استثناء قد عانى من الصدمات. من منا لم يمر بموقف صادم في حياته فشعر أنه قد تغير؟ لو أنك في عمر العشرين أو الثلاثين أو الأربعين سنة، فبالتأكيد قد مررت بعشرات المواقف وعشرات الصدمات. فحياة الإنسان عبارة عن مجموعة من الصدمات تقع بين صدمتين؛ صدمة الولادة وصدمة الموت.

فتحصل صدمة الولادة خلال مجيء الإنسان إلى الدنيا، بعد أن عاش في رحم أمه لأشهر، يأكل ويشرب ويتنفس ويتدفأ من خلالها، وكل شيء متوفر له تبعا لحاجته. وفجأة يجد نفسه في حالة شد وجذب حتى يخرج إلى الحياة، إلى مكان بارد ملئ بالأضواء الشديدة والأصوات العالية، يُلَفّ بقماش خشن على جسده، ويضطر للقيام بعمليات حيوية لم يكن مضطرا لأن يقوم بها بنفسه قبلا. وقد أصبح مضطرا للبكاء لتلبية حاجاته، من جوع وعطش وبرد وشعور بالحر.

لم يكن في عمره هذا بالطبع قد تشكل وعيه، ولكن كل خلية في جسد الإنسان لها ذاكرة تسجل فيها كل شيء منذ اللحظة الأولى، ولا يتم نسيان شيء من هذه الذاكرة. فأجسادنا وعقولنا أذكى بكثير مما نستطيع تخيله بوعينا. ثم تنتهي الصدمات بصدمة الموت، حين يدرك الإنسان أن حياته تنتهي.

لماذا تحدث الصدمات؟ ولماذا لا تكون الحياة سهلة دون أحداث أكبر من قدراتنا على التحمل؟

حتى نتعلم ونتطور. فالصدمة عبارة عن درس، قد تكون أحيانا درسا قاسيا، ولكن ما يأتيك من دروس لن يفوق قدرتك على التحمل. أما لو لم تفهم أو تتعلم الدرس، فستأتي الصدمة بطريقة أخرى مختلفة. لذلك تجد الكثير من الناس تكرر ذات الخطأ مرارا وتكرار، وتكون في حالة اندهاش من تكرارهم لذات الخطأ دون أن يتعلموا. وذلك لأنهم لم يروا.. أو لأنهم لم يفهموا.

على سبيل المثال، أحد الأشخاص يتم النصب والاحتيال عليه في كل مرة؛ مشروع فاشل، أو شخص محتال، أو مستثمر في مجال معين.. أو إضاعة المال في مشروع فاشل.. الخ. كل من هذه المواقف عبارة عن صدمة. بعد ذلك نجد هذا الشخص يقول: فلان حرامي، فلان لا ضمير له.. ولكنه لم يواجه نفسه ويقر بخطئه، ليقرر الإصلاح من نفسه ويطور من قدراته في هذه النقطة. لذلك كله يكرر ذات الأخطاء والصدمات حتى يفهم الدرس. وللأسف هناك الكثير ممن يعيشون ويموتون دون أن يفهموا.

 

مثال آخر: فتاة كلما ارتبطت بأحد تكتشف بأنه خائن. فتبدأ قصة جديدة مع شخص جديد، فتجده يخونها. هذه الفتاة لم تسأل نفسها قط لماذا أنا لا أجذب سوى الأشخاص الخائنين؟ هل أنا مندفعة في مشاعري؟ هل فكرتي عن الرجال بأنهم خونة ينعكس على واقعي؟ هل في داخلي قناعة بأني لا أستحق علاقة محترمة مما يجذب إليّ أشخاصا يعاملونني بعدم احترام؟ وتبقى القصة تتكرر حتى تبدأ فهم الخلل والمشكلة وتفككها وتحلها وتتجاوزها.

لذلك فالصدمات أمر أساسي وضروري في حياتنا، لأنها أساس كل المفاهيم الخاطئة التي ترسبت في داخلنا، وتبقى تجذب أحداثا صادمة وسيئة حتى نحلها بشكل واع.


 

كيف نعالج صدماتنا سواء كانت من الطفولة أو بعد البلوغ؟

1- اعرف الصدمة:

اعلم ما هو الحدث الصادم في حياتك وأظهره على السطح بدلا من دفنه في أعماقك. هناك الكثير من الأشخاص الذين يعانون من صدمات الطفولة ولكنهم في حالة نسيان، أو أن العقل الباطن يدفنها تحت طبقات من الركام والتراب.

 
صدمات الطفولة تبقى في الداخل
ماذا لو كنت غير قادر على تذكر الصدمة؟

راقب ذاتك، ولاحظ الأماكن التي تذهب إليها فتشعر بالتعب النفسي والجسدي، ولاحظ الأشخاص الذين تكره وجودهم في حياتك أو بينك وبينهم حاجز نفسي ولست قادرا على كسره. ولاحظ الأمور التي تحس باستمرار بأنها مصدر طاقتك السلبية، وأنك غير قادر على التعامل معها. كل هذه الأمور هي في الغالب ما تكون مرتبطة بصدمات حياتك، ولو حاولت التركيز فيها فستعرف وتتذكر كل شيء.

 

أما لو كنت تعرف الصدمة أو الأحداث أو الأشخاص، فهذا معناه أنك مستعد للتعامل مع الموضوع، وأنك قد وصلت لمرحلة تستطيع فيها التحلي بالقوة والشجاعة لحل الموضوع، والبدء في فتح الجروح وتطهيرها ومعالجتها وإعطائها وقتها لتشفى بدلا من كونها جرحا مفتوحا ملوثا ومؤلما، والتصرف بأنك لا تراه، فتنكر وجوده، وتنهار على أتفه الأسباب، لأن هناك جرح ملوث ينزف وأنت تحاول تجاهله.
 

2- أحكم على الآخرين وصنفهم:

هذه ليست قسوة مني أو ازدواجية، فصحيح أني أدعو للعيش بسلام وراحة نفسية، ولكن هذه الأمور لا تتحقق إلا بالشكل الصحيح، وعن قوة وليست عن ضعف. فمن يقول لك: سامح واغفر ودع كل ذلك يذهب، فهذا الشخص يضلك ويضحك عليك. فكيف ستسامح وأنت محطم نفسيا وتشعر بالقهر؟ هذا ليس تسامحا، بل هو منتهى الضعف.

-   ما الفائدة من الحكم على الآخرين، وكيف يكون الحكم؟

في الغالب تأتِ الصدمات من أقرب الأشخاص؛ فالصدمات التي تنشأ في الطفولة تكون بسبب أفراد الأسرة من أب أو أم أو أخ أو أخت أو قريب. وعند الكبر تأتِ من زوج أو صديق أو حبيب.

الارتباط بالأشخاص عاطفيا خاصة حال وجود صلة قرابة يمنع من إطلاق الأحكام أو التصنيف. فلا تستطيع القول بأن الأب كان قاسيا وظالما لي، فكان يقوم بتعنيفي أو تخويفي أو إهمالي وأنك غير مسؤول فعليا عن سبب هذه التصرفات. ولو كان الزوج فلا تستطيعين القول والاعتراف بأن من اخترته من بين كل الناس يضربك ويخونك ولا يعاملك باحترام لأنه إنسان غير محترم بالأصل. أو أن الأقارب والأصدقاء نبذوك أو تنمروا عليك لأنهم أشخاص غير أسوياء ويعانون من نقص وعقد.

حين يحصل ذلك لا نستطيع مواجهة أنفسنا لأن ذلك بحد ذاته عبارة عن صدمة. فهل الأب من الممكن أن يكون مؤذيا؟ هل فعلا الأم تتسبب في الأذى؟ هل من الممكن أن يكون الزوج بهذا السوء؟ جميع ذلك عبارة عن صدمات، وما يحصل عبارة عن أمرين: حين لا يتم إصدار الأحكام لا يمكن مواجهة الحقيقة المرة، ولا يتم فهم الدرس فعلا، ولا يتم الحكم على الأمور بشكل صحيح، وبالتالي لا يتم التعلم والعلاج، ثم يبدأ إلقاء اللوم على النفس وجلدها.

فمن تم تعنيفه من والده يلوم نفسه بأنه هو من تصرف بشكل خاطئ فضايقه وأغضبه، لذا فهو شخص غير جيد ويستحق هذه المعاملة. فلو كانت فتاة ستستمر برؤية أن هذه المعاملة التي تستحقها، فتجذب في النهاية زوجا معنّفا ومهملا.

ومن كان زوجها يضربها أو يخونها لأنها استفزته، فتجد له الأعذار بأنه قد فعل ذلك رغما عنه فهو عصبي، ولكنه طيب جدا، ولم تأخذ موقفا حاسما بإنهاء المهزلة وتعليمه احترام زوجته أو الانفصال وإنهاء هذه العلاقة المهينة. وتبقى طوال حياتها في حالة من جلد الذات والشعور بالعار وعدم الاستحقاق رغم أنها بالأصل ضحية، ولكنها ترى نفسها مذنبة.

لذلك يجب الحكم على الآخرين، فهذه التصرفات سيئة ولا تصدر إلا من أشخاص سيئين مهما كانت الظروف دون وجود أية مبررات أخرى.

فوالد الفتاة قد ضربها لأنه شخص عنيف وليس لديه القدرة على السيطرة على غضبه وانفعالاته، ولا يوجد أي شيء يمكن أن يبرر أو يبيح انتهاك حرمة جسد شخص آخر خاصة لو كان طفلا. كما يجب أن يكون الأب مصدرا للحماية والأمان، وليس مصدرا للعنف والتخويف.

وأما من خانها زوجها فذلك لأنه شخص خائن، وليس لوجود عيب فيها أو نقص. فالخائن سيخون وإن كانت أمامه أجمل فتاة في العالم. ومن يريد الحفاظ على العلاقة سيحاول إصلاحها وتعديلها وبذل مجهود أكبر لتستمر بكل احترام.

وأما من تنمر عليه أصدقاءه فذلك لأنهم أشخاص سيئون، وليس بسبب سمنة الشخص، أو نحافته، أو طوله، أو قصره، أو شكل أنفه، أو كبرها. فالمتنمر يتنمر بسبب مرض نفسي لديه، فالتنمر فعل وليس رد فعل. ويجب أن تتم معاملة الشخص باحترام طالما يحترم الآخرين.
 

3- افهم مشاعرك وأحساسيك وتقبلها (validate your feelings):

بعد الحكم على الأشخاص بأنهم سيئون، وأن ذلك خطأ منهم لا دخل لك به، هنا تأتِ القدرة على تقييم مشاعرك وتصحيحها. فمشاعر العار اتجاه ذاتك مفهومة ومشروعة، خاصة لو كان الشخص الذي تسبب لك بالصدمة يغذي هذا الشعور داخلك.

فشعورك بالغضب اتجاه الأهل أو الزوج أو الصديق هو شعور مشروع ومفهوم، ولا يجب أن تشعر بالذنب لإحساسك بذلك. فكما أن هناك عقوق آباء، فهناك عقوق أبناء. فليس كل الناس يستحقون نعمة الأبوة والأمومة، وليس كل الأشخاص قادرون أن يكونوا أصدقاء جيدين، وليست كل امرأة قادرة أن تكون زوجة جيدة، والغضب من الأشخاص والاحداث مشروع ومن حق الشخص.

بعد ذلك عليك البحث عن شخص موثوق يستطيع تفهم مشاعرك ويعطيك هذا الفهم والتقبل إن لم تستطع فعل ذلك وحدك. ومن الممكن اللجوء إلى معالج نفسي أو مدرب حياة إن لم تكن تملك الشخص الذي يقوم بهذا الدور في حياتك.
 

4- الحزن:

حين يحصل حدث صادم، فعادة لا نملك الفرصة للحزن وإعطاء الحدث حقه. فالحزن جزء من عملية استيعاب الحدث، ومرحلة مهمة جدا على سلم الشعور، يجب المرور من خلالها لامتلاك القدرة على تجاوزها.
 

أفضل طريقة للحزن:

احزن بأي طريقة تناسبك وفرغ ما بداخلك؛ اصرخ، ابكِ، انعزل... ولكن من وجهة نظري فأنا أرى أن أفضل الطرق للحزن هو الكتابة أو التحدث عن الأمر. كل ما تحتاجه فقط قلم وورقة واكتب كل ما يخالجك من أفكار ومشاعر. أو قف أمام مرآة وتحدث وقل كل ما بداخلك وعبر عنه. قل أنا حزين ومصدوم، وأشعر بكذا وكذا. أنا غاضب من فلان، أنا أخجل من نفسي، أشعر بأن مظهري غير جيد، لدي رغبة في الانتقام... أي شعور في داخلك اكتبه وتحدث عنه، حتى لو كان شعورا غير صحي، حيث يجب أن تواجه نفسك به لمعرفته.

اصرخ وابك

عليك مواجهة ذاتك بكل شيء لتفهمه وتنهي الأمر، فكلما أخرجت ما بداخلك شعرت بارتياح أكبر. وعند الانتهاء من ذلك مزق الورقة واحرقها؛ فذلك سيجعلك ترى كل شيء أوضح، وستتخطى مرحلة الحزن بشكل أسرع، لأن هناك أشخاص يقعون في حفرة الحزن دون قدرتهم على الخروج منها، لذا كن واع بأن الحزن مرحلة مهمة ولكن لا يجب أن تطول.
 

5- حدد محفزاتك (identify your triggers):

عليك هنا بمراقبة نفسك جيدا لترى كيف أثرت عليك الصدمة، وما هي السلوكيات والعادات الخاطئة التي سببتها لك، وما هي الأمور التي تجعلك تشعر بمشاعر سلبية. فالصدمات التي لم يتم الشفاء منها تتسبب في اكتساب الشخص لسلوكيات سيئة من الممكن أن تستمر معه بقية حياته.

الاشتعال غضبا بشكل سريع ولدرجة الانهيار على أتفه الأمور، كوقوع طبق طفل صغير، فانكسر ووقع ما بداخله من طعام. في الحالة الطبيعية هو أمر عادي وطبيعي جدا ومتوقع من طفل لم يتعلم بعد وليس لديه استيعاب كاف بأن هناك حركة معينة ستتسبب بوقوع طبقه. ولكن الأم تبدأ بالصراخ والانهيار، ومن الممكن أن تضرب الطفل ضربا مبرحا بسبب شعورها بالضغط والكبت والغضب. فهي تعاني من جروح ملوثة تنزف لسنين طويلة، لذا فمن الطبيعي جدا أن أي لمسة غير مؤثرة سيكون ألمها رهيب وغير محتمل يتسبب بانفجار كبير.

 

اكتساب سلوكيات تدمير ذاتي، تجعل الشخص يخرب أمورا تصب في مصلحته وتسبب له أحداثا إيجابية أو تطورا في حياته. فمثلا بدأ الشخص بتغيير نفسه للأفضل عبر الالتزام بحمية غذائية صحية، والتمرن في النادي الرياضي، وتعلم أمر جديد ينمي مهارات لديه يحبها. ثم يستيقظ من النوم ليقرر بأنه لن يستمر، وعقله الباطن يتعلل بأي سبب تافه؛ ما الذي سيحدث بعد كل ما أفعله؟ أبعد كل هذا التمرين في النادي الرياضي والتعب هل سأصبح محمد صلاح آخر؟

فيعود مرة أخرى لحياته القديمة مع ذات الاكتئاب والشعور بالعار وتأنيب الضمير والحزن. كل هذه الأمور هي سلوكيات تدمير ذاتي يفعلها المصدوم لأن في داخله شعور خفي بالعار وعدم الاستحقاق وعدم الثقة بقدرته. فلو كان مقتنعا ومؤمنا من داخله بأنه إنسان سيئ فسيتم ترجمة ذلك لأحداث واقعية.

 

هناك أشخاص ليس لديهم القدرة على تحمل الضغوطات، وهم عادة ما يتكرر معهم ذات النمط أو الحدث مع الشعور بالضغط، -أنا شخصيا كنت كذلك، ولكنني تعبت على نفسي كثيرا لأحصد تحسنا بالتدريب-، وهو ما يظهر كثيرا جدا في سلوكيات التأجيل والمماطلة (Procrastinating). فالشخص حين يحس بأن لديه عملا كثيرا لا يستطيع إنهاءه، أو شخص لديه اجتماع في اليوم التالي مع عميل صعب، يبدأ فورا بتأجيل واجباته، والقيام بسلوكيات غير واعية حتى ينسى الأمر الذي يشعره بالضغط. هذا التأجيل هو نوع من الهروب من الضغوطات بسبب عدم القدرة على تحملها.
 

6- كسر السلسلة:

بعد ملاحظة المحفزات، ووضوح النمط المتكرر الذي تحصل فيه يجب بذل الجهد في كسر سلسلته. فمثلا حين كنت أشعر بالضغط الكبير سواء في حياتي الشخصية أو العمل، أبدأ بالتأجيل، فتتراكم الأمور والواجبات، فأشعر بالضغط أكثر، فأبدأ بالانعزال والدخول في مرحلة اكتئاب كانت تستمر من أيام لأسابيع. أجل لقد كنت أعاني كثيرا، ولكني عملت على نفسي كثيرا أيضا، حتى وصلت إلى ما أنا فيه. وهذا أكبر دليل على أنه مهما كان وضعك صعب ومؤلم فهناك أمل بالتغير للأفضل.

 

هنا بعد ملاحظتي للنمط المتكرر وكيف يبدأ وينتهي، حددت خطواتي، فكلما بدأت التعرض للضغط، بدأت بفعل كذا... وهنا حاولت كسر السلسلة، فبدلا من الهروب بدأت بتدريب نفسي على الجلوس في هدوء لدقائق، فأفكر أو أكتب: ما الذي يجعلني أشعر بالضغط؟ هل هناك ما أستطيع فعله لحل ذلك؟ فأبدأ بإيجاد حلول للشيء الذي يضغطني، كتقسيم العمل الذي يضغطني إلى أجزاء وأبدأ بأبسطها، ثم آخذ استراحة لعمل شيء أحبه، ثم أكمل العمل.

أما إن كنت ما زلت لا أستطيع، فهذا معناه أن طاقتي منخفضة وأحتاج لما يعطيني طاقة إيجابية، فأقوم بأي عمل أعلم بأنه يمدني بالطاقة لأبدأ ولا أؤجل. لن أقول بأن ذلك نجح معي في كل مرة، فهناك الكثير من المرات التي فشلت فيها وأجلت وانعزلت عن العالم واكتأبت. ولكن في كل مرة كنت أنجح فيها كنت أشعر بثقة أكبر في نفسي. والآن أصبح عدد المرات التي أفشل فيها لا يذكر، ولكن حصل ذلك بعد عمل وتعب وجهد ومحاولات كثيرة.
 

نمط الغضب والعنف:

هذا النمط غالبا ما يصيب من تعرض في طفولته لعنف أسري. وتقول الأبحاث بأن الأشخاص الذين تعرضوا لعنف جسدي في الطفولة، تبقى احتمالية ضربهم لأطفالهم أكبر بكثير. لذا يجب على من يقوم بذلك لأطفاله أن يكسر السلسلة.

  • أولا بالتعلم أنه لا يحق لك ضرب أطفالك أو إهانتهم. ويجب مواجهة النفس بأن ذلك إجرام في حق الأطفال، ويجب اتخاذ القرار بأنك لن تكرر ذلك مرة أخرى.
  • إيجاد أمور يتم تفريغ الغضب فيها، وتعلّم أن الغضب شعور مؤذ للشخص قبل أي أحد آخر. لذا يجب تعلم التعامل معه بطريقة إيجابية.
  • عند تطبيق ذلك ستكون قد كسرت سلسلة العنف التي تورث من جيل إلى جيل. فالشخص الذي يعنف أطفاله قد عنفته عائلته قبلا، وعائلته قد تعرضوا للتعنيف من عائلاتهم أيضا، وسيقوم أطفاله بتعنيف أولادهم لأنهم كانوا معنفين أيضا... وهكذا تنشأ أجيال تعيسة من البشر. لذا فإن كسر السلسلة هو الدرس الذي يجب تعلمه، فعند تعلمه سيعلم الشخص كيف يستطيع تجنب جذب الأحداث والصدمات التي تكرر ذات الدرس عليه. وليس شرطا بأن يكون في صورة عنف، بل قد يكون في صورة علاقة مسيئة أو سلوكيات تدمير ذاتي. فيتعلم أنه لم يكن السبب فيما حصل، وأن العنف الذي تم ممارسته عليه ليس له مبررا. وأنه غير مذنب، ولا يستحق الإهانة، بل يستحق كل أمر جميل لأنه إنسان خلق بقيمة غير قابلة للتغيير أو التقليل. فهو جزء من الكون بكل جماله وعظمته، وكل شيء مسخر له ليستخدمه في تحويل حياته وواقعه للأفضل.


جل ما عليك فعله هو الوعي لهذه الفكرة، والتواصل مع النفس وفهمها ومصارحتها، والإيمان بأن الذات تستحق الاحترام والتقدير دون سبب.

 

أمراض مناعية
صحة نفسية
تروما
صدمات الطفولة
اضطراب ما بعد الصدمات
التوتر
صدمة نفسية
أمراض نفسية
نقترح عليك
ذات صلة