صيام رمضان أفضل وقت للبدء بتطبيق حمية الكيتو
"هل من الممكن اتباع حمية الكيتو في رمضان؟" سؤال يتردد كثيرا، والإجابة هي أجل بالطبع. بل إنه أفضل وأنسب وقت لتطبيق حمية الكيتو. فلا يوجد حمية كيتو دون صيام، ولا يوجد أسهل من الصيام مع حمية الكيتو. حين نصوم؛ سواء صيام رمضان أو الصيام المتقطع، فإننا نمتنع عن الطعام لعدد ساعات معين. هذا الطعام هو مصدر الطاقة والفيتامينات والمعادن النادرة والأحماض الدهنية والأمينية وجميع العناصر التي يحتاجها الجسم حتى يستطيع العيش. فالجسم له القدرة على تكوين مخزون من كل هذه العناصر من الطعام الذي نتناوله طوال الوقت، فيراكمه في داخله، إلا عنصر واحد، ألا وهو السكر. وأقصد بالسكر هنا كل ما يمكن أن يتحول إلى جلوكوز، من كربوهيدرات ونشويات مثل الخبز والمعكرونة والبطاطا والبطاطا الحلوة وأي شيء مصنوع من دقيق القمح أو الذرة.
والجسم لا يستطيع تخزين كميات كبيرة من السكر لتكفيه كمخزون للطاقة لمدة طويلة في صورته الأصلية، وهي السكر أو الجلوكوز. بل يجب أن يقوم بتحويل السكر الفائض عن حاجة الجسم إلى دهون بواسطة هرمون الأنسولين حتى يبدأ بحرقها حين الحاجة. ففي حال بقاء السكر بكميات كبيرة في الدم فإنه يتسبب بفرط السكر (Hyperglycemia)، وهي حالة خطيرة ومدمرة للجسم، وهو ما يحصل لمرضى السكري، لذلك يأخذون جرعات من الأنسولين حتى تعود لديهم مستويات السكر ضمن الحدود الطبيعية. كما يستطيع الجسم تخزين السكر فقط في الكبد والعضلات على هيئة جلايكوجين حتى يحرقها وقت الحاجة، ولكنها كميات قليلة جدا لا تكفي لإمداد الجسم بالطاقة لمدة 24 ساعة. في المقابل، يستطيع جسم الإنسان تخزين ملايين الخلايا الدهنية التي تمده بالطاقة لمدة طويلة جدا. وهي آلية يتبعها الجسم للبقاء على قيد الحياة أثناء الكوارث.
إذن، فدهون الجسم لم تكن دهونا، وإنما كانت في الأساس سكرا فائضا عن حاجتك. وإن الجسم لا يستطيع اعتماد الدهون كمصدر للطاقة، سواء كانت الدهون المخزنة في الجسم أو المكتسبة من الطعام، إلا في غياب السكر فقط، حتى وإن تم تقليل السعرات الحرارية في الطعام فالجسم سيتأقلم على عدد السعرات القليل ويبطئ الحرق حتى لا يحرق الدهون. ومن هنا جاءت العلاقة بين الصيام المتقطع وحمية الكيتو، فلا يصح أحدهما دون الآخر. فالصيام يساعد الجسم على حرق السكر الموجود، وبالتالي الدخول في نظام حرق الدهون كمصدر للطاقة بشكل سريع وسهل حتى يبدأ الاعتماد بشكل كلي على طاقة الدهون. وحمية الكيتو تجعل الصيام أسهل لأن الجسم يحرق الدهون للحصول على الطاقة وبالتالي لن يتم الشعور بالجوع أو التعب أثناء الصيام، فهو متوفر طول الوقت، حيث يحرق الدهون المخزنة في الجسم.
يمكنك الآن حجز استشارة مع ندى حرفوش من هنا،
لتحصل على برنامجا صحيا متكاملا ومصمما خصيصاً لك لمساعدتك على التعافي من مشاكلك الصحية بالطرق الطبيعية
نظام الكيتو:
هو نظام غذائي صحي عالي الدهون و منخفض الكربوهيدرات، هدفه تحويل اعتماد الجسم على طاقة الدهون بدلا من طاقة السكر، عن طريق رفع مدخول الجسم من الدهون الصحية وخفض مدخول الجسم من الكربوهيدرات للحد الأدنى الذي لا يسمح للجسم بالاعتماد على طاقة السكر، وهو 20 جرام تقريبا من الكربوهيدرات النظيفة خلال اليوم كله وليس الوجبة الواحدة. يكون الطعام في حمية الكيتو عبارة عن 70 - 75% من الدهون الصحية وهي كمية غير كبيرة أبدا، فمن الممكن أن لا يحتوي الطبق على سمن أو زبدة صافية أصلا. بالإضافة إلى 20% من البروتين، و5% من الكربوهيدرات الموجودة في أصناف الطعام المسموحة أصلا وليس من مصادر نشوية، وكميات مفتوحة من الخضروات. بهذه الطريقة يتم حرمان الجسم من كل مصادر السكر فيبدأ الاعتماد على طاقة الدهون الموجودة في الطعام، وعلى الدهون المخزنة في الجسم أثناء الصيام. للمزيد عن حمية الكيتو إقرأ المقالات الخاصة به من هنا.
إن الإحساس بالجوع في الحقيقة متعلق بأكل السكر والنشويات، حيث يبدأ الجوع حين ينتهي مخزون السكر من الجسم، مما يجعلك تلجأ لأكل السكر مرة أخرى، لتجوع بعد قليل.. وهكذا دواليك، وهذا عكس ما يحدث في حالة قطع السكر والاعتماد على الدهون. لذا فإن رمضان هو أنسب وقت للبدء بحمية الكيتو، لأنك ستصوم دون تعب، حيث نصوم لمدة 16 ساعة تقريبا. وبعد أن كان الجسد يحرق السكر مستمدا طاقته من خلال ثلاث وجبات رئيسية في اليوم بالإضافة إلى الوجبات الخفيفة، فجأة يدخل الجسم حالة صيام تام لمدة 16 ساعة.
فوائد الصيام:
يدخل الجسم خلال الصيام في حالة راحة من الطعام، فيبدأ الجسم من إصلاح نفسه من الخلايا المتضررة الموجودة فيه، ويبدلها بخلايا جديدة. ولقد ساعدني الصيام بالتعافي من الروماتويد. حيث يرفع الصيام من هرمون النمو الذي يحافظ على الشباب ويجدد خلايا الجسم ويعزز الجهاز المناعي ويقويه وبالتالي حماية الجسم من الأمراض.
نظام الصيام الخاطئ والشائع بين الناس:
يشيع بين الناس نظام الصيام الخاطئ الممتلئ بالسكريات والنشويات، حيث يأتي وقت السحور ليتم تناول الخبز والفول والبطاطا والفاكهة، فيرتفع سكر الدم ويفرز الجسم هرمون الأنسولين للسيطرة على مستوى سكر الدم، فيتم نقل السكر إلى داخل الخلايا لحرقه، ويتم تحويل الفائض منه إلى دهون يتم تخزينها في أنسجة الجسم، مما يتسبب في خفض مستوى السكر في الدم بعد ساعتين في هبوط عنيف، فيتم الاستيقاظ صباحا في حالة من الجوع، ولكن لأن الصيام ممنوع فيه التراجع، يصبح الصيام متعبا ومرهقا ومرافقا لحالات مزاجية وعصبية متقلبة وعنيفة. وكل ذلك بسبب عدم استقرار سكر الدم، فهو في حالة هبوط ولا يوجد مصدر للطاقة.
ثم يأتي موعد الإفطار ليكون قنبلة موقوتة من السكر.. حيث يحتوي على تمر وخشاف وتمر هندي وعصائر ومشروبات غازية، مما يجعل مستويات السكر تلامس السماء بسرعة الصاروخ. هذا ولم نذكر المحاشي والجلاش والأرز والخبز والحلويات من الكنافة والقطايف الممتلئة بشربات السكر (القطر أو الشيرة). وبالطبع هناك الوجبات الخفيفة الممتدة من وقت الإفطار حتى وقت السحور. بعد ذلك يحين موعد السحور مرة أخرى، ليتم إعادة السيناريو كله مرة أخرى، فيرتفع سكر الدم، ثم يرتفع الأنسولين، ثم تهبط معدلات السكر سريعا ليبدأ الجوع مرة أخرى، لتدور الأيام ضمن دائرة مغلقة من الجوع والتعب والإرهاق والعصبية، ويتحول شهر الروحانيات وتحسين الصحة إلى شهر من التعب والعصبية والسمنة. هل تخيلتم معي كم السكر الذي تم تناوله؟ هل تخيلتم مستويات السكر والأنسولين وتعب البنكرياس وإجهاده؟ هل تخيلتم تعب الجسد وتقلبات المزاج والعصبية.
نظام الصيام لشخص يتبع حمية الكيتو الصحي:
أما في حال اتباع الشخص لحمية الكيتو، سيبدأ اليوم بسحور مكون من وجبة صحية تحتوي على الدهون الصحية والبروتين والخضروات، مثل الجبن والبيض والزبدة وأنواع الخضروات بكميات مفتوحة، فنحصل على احتياجاتنا من الدهون -التي ستجعلنا نشعر بالشبع فترة أطول دون رفع مستويات السكر- والبروتين التي يحتاجه الجسم للبناء، والخضار الغني بالمعادن والفيتامينات والألياف التي ستعزز الشبع لمدة طويلة. فيبدأ الجسم في هذه الحالة بحرق الدهون المكتسبة من الطعام، ليعتمد فيما بعد على الدهون المخزنة في الجسم كمصادر للطاقة طوال اليوم دون الشعور بالجوع. فيتم تحقيق الهدف بفقدان الوزن وفي ذات الوقت تجنب مخاطر أكل السكريات والنشويات، والحصول على طاقة الدهون الكيتونية المضادة للالتهاب.
هنا يكون يوم الصيام هادئا، لا يوجد إرهاق طوال فترة الصيام، فسكر الدم مستقر، لا يوجد فيه ارتفاع سريع أو هبوط عنيف، ولا توجد تقلبات مزاجية أو عصبية، بل يكون الجسم والدماغ في أقصى مستويات الطاقة والنشاط والتركيز لأن الدهون هي الطاقة الأفضل بالنسبة للدماغ، كما تكون المعدة والجسم في ارتياح، مما يساعد على الدخول في حالة رائعة من الروحانيات كما من المفترض أن يحدث.
صيام رمضان هو أفضل وقت لاتباع حمية الكيتو:
لأن الصيام في رمضان إجباري بعكس الأيام العادية، فلا يتكاسل الأشخاص ويترددون عن البدء. ففي الغالب يضعفون أمام الطعام بسبب عدم الدخول في حالة حرق الدهون 100%، فيعودون للأكل في أي وقت بشكل عادي وتناول السكر والنشويات مرة أخرى. بينما في رمضان يجبرون على الصيام مدة 16 ساعة، مما يساعد على هضم كل السكريات والدخول في حالة هضم الدهون والاعتماد عليها كمصدر للطاقة، وبالتالي مع الالتزام سيعتمد الجسد على الدهون كمصدر للطاقة بنسبة 100% خلال يومين أو ثلاثة، ويختفي الجوع. ولو أن الشخص بدأ بحمية الكيتو في رمضان واستمر لشهر كامل على ذلك، سيخرج من رمضان معتادا على الحمية ومرتاحا فيها دون أن يمتلك الرغبة في العودة إلى السكر، لأنه قد عرف ميزات حمية الكيتو والصيام لجسده ونفسيته وصحته، فيتحول الأمر إلى عادة مريحة وصحية.
مشكلة العزائم في رمضان:
المشكلة ليست في العزائم أو التجمعات في حد ذاتها، ولا حتى في أنواع الطعام المغرية الموجودة أمامنا على السفرة، فكل شخص مسؤول عن نفسه ويستطيع أن يقرر لنفسه ما يريده من الطعام ولصحته وحياته. بل تكمن المشكلة في الضغط من أصحاب العزيمة على الزائر في تناول ما لا يصح أو يلزم أو تناول ما يزيد عن الحد، فتجد العزيمة والتجمع المستحب قد تحول إلى ضغط نفسي ومشاحنات تنتهي بزعل أصحاب العزيمة.
هنا علي التنويه بوجوب التوعية لهذه الأخطاء، فالإصرار على الطعام ليس من الكرم في شيء، بل هو ضغط نفسي لعمل أمر لا يريده الآخرون، بل إنهم يجاهدون أنفسهم للاستمرار في نمط حياة معين قد اختاروه لسبب ما. ورفض الآخرين للطعام ليس مؤشرا على عدم الاحترام أو الحب أو التقدير، ولكن يجب الانتباه أن الطعام قد لا يكون مناسبا لهم.
هل سنمنع أنفسنا عن عزائم رمضان؟
بالطبع لا، بل علينا زيارة الأقارب والأحباء والاحتفاء معهم برمضان، وإن المائدة ستحتوي أنواعا من الطعام المسموح، نستطيع اختيار ما يناسبنا منها دون إفساد حمية الكيتو، مثل: السلطات، والمقبلات، والمخللات، والبروتين (مع الانتباه ألا يكون مقليا)، والخضار المطبوخ، والملوخية، وسلطة الطحينة..الخ. ولكن بالطبع الحلويات ممنوعة تماما.
كيف نستغل الصيام في رمضان بفقدان الوزن؟
- إن الصيام لمدة 16 ساعة في اليوم هو نصف الطريق، ولو كانت بداية الحمية مع بداية رمضان فسيتم فقدان الوزن خاصة في الأسبوع الأول، لأن الجسم سيفقد المياه المخزنة، والتي كانت محبوسة مع السكر. فالسكر يتسبب في حبس السوائل في الجسم. أما في الأسبوع الثاني إن لم يتم فقدان الوزن فذلك أمر طبيعي لا يجب أن يتسبب بالإحباط والإقلاع عن الحمية.
- ويجب شرب المياه بكثرة بين الإفطار والسحور، وذلك لأن نظام الكيتو مع الصيام المتقطع كان مسموحا فيه الشرب طوال النهار، بينما صيام رمضان ممنوع فيه الشرب خلال ساعات الصيام، وذلك لتجنب الجفاف، وتجنب توتر الجسم ولجوئه لحبس الماء (water retention) وبالتالي الاعتقاد أن الجسم لا يفقد الوزن، بينما ذلك غير حقيقي، وكل ما في الأمر أنه لا يتم شرب المياه بكميات كافية.
- لا يجب تناول وجبات خفيفة بين الإفطار والسحور، وبذلك يكون اليوم فيه وجبتان فقط، لأن هذه الوجبات الخفيفة (سناكس) ستسبب الجوع طوال الوقت، كما ستفتح الباب لإفساد الحمية، خاصة بوجود المغريات الكثيرة في رمضان.
- من المفضل إشغال النفس، والاتفاق مع صديق أو قريب يتبع ذات الحمية أو حتى حمية قريبة مثل الحمية قليلة الكربوهيدرات، وذلك للتشجيع وتخفيف الضغوط، وعدم ترك النفس للفراغ والتفكير في الطعام طوال النهار، فذلك سيؤدي إلى عدم الالتزام.
- يفضل وضع خطط خاصة بالطعام لمدة أسبوع، أو حتى ليومين، لتوفير احتياجات الحمية، وعدم ترك احتمالية عدم توفر شيء مناسب للحمية. ولو كان الشخص في حالة الصيام ولم يكن قد وضع الخطط للإفطار ففي الغالب لن يتخذ قرار اختيار الطعام المناسب بشكل صحيح وسيتم إفساد الحمية.
- التمرن خلال الصيام هو أمر مستحب، ولكن من المفضل أن يكون قبل الإفطار بساعة واحدة، مما سيؤدي إلى خسارة الوزن بشكل أسرع، وسترتفع معدلات هرمون النمو لأعلى المستويات، وهو أكتر ما سيساعد على الحفاظ على الكتلة العضلية. وبالطبع مع الاهتمام بأخذ الكمية الكافية من البروتين والدهون ضمن الإفطار.
- الاهتمام بأخذ الفيتامينات والمكملات الغذائية التي يحتاجها الجسم يوميا. (لمعرفة المزيد عن الفيتامينات والمعادن اللازمة وجرعاتها ومعلومات أخرى اقرأ المقال الخاص من هنا).
من خلال اتباع هذه الأمور والاهتمام بها سينتهي رمضان وأنت في أفضل حالاتك؛ صحيا وجسديا ونفسيا وروحانيا، مع فقدان الوزن بشكل جيد.
كلمة أخيرة:
كما يستعد الناس ويحضرون ما يلزم لبدء لرمضان، فينظفون المنزل ويعملون على تفريز ما يلزمهم خلال الشهر، يجب على من أراد اتباع الحمية أن يستعد أيضا. وذلك من خلال التالي:
- البدء قبل رمضان، سواء بحمية الكيتو أو الصيام المتقطع، ولكن بعدد ساعات قليل، أي أقل من 16 ساعة، فأنا أجدها كثيرة لشخص يحاول البدء. فلو كان عدد الساعات 12 ساعة فهو أمر جيد وسيسهل صيام الـ 16 ساعة فيما بعد.
- عدم وضع هدف كبير في البداية، مثل: يتوجب عليّ فقدان 35 كيلو على الأقل في رمضان، لأنه لا يوجد ضمان لفقدان عدد معين من الكيلوات خلال فترة معينة، حيث يتوقف ذلك على عوامل كثيرة جدا، منها الوزن، وسرعة الحرق، والتاريخ مع الحمية سابقا، ووجود مقاومة أنسولين أم لا، ووجود مشاكل صحية أم لا، ووجود أمراض مناعية أو أمراض مزمنة أو التهابات أو مشاكل هرمونية .... وعوامل أخرى كثيرة تتحكم وتؤثر في سرعة فقدان الوزن.
لذلك يجب عدم وضع أهداف كبيرة بادئ الأمر، لأنه من الممكن حال عدم تحقيق نصفه حتى، أن يؤثر ذلك على الهمة والإصرار، ويصاب الشخص بالإحباط ويقرر عدم استكمال المشوار. لذا فإن وضع الأهداف الصغيرة القابلة للتحقيق ستكون أكثر واقعية، وستعطي الحافز اللازم للاستمرار. فعلى سبيل المثال: وضع هدف أسبوعي بفقدان كيلو أو اثنان، دون وزن الجسم بشكل يومي، فالمقياس الأهم لفقدان الوزن هو مقاس الملابس التي كانت ذات مقاسات ضيقة وعادت ذات مقاس جيد.
للمزيد عن الصيام المتقطع إقرأ المقالات الخاصة به من هنا