
ما هي متلازمة ما قبل الدورة الشهرية وهل يمكن التغلب على آلامها؟
يُعد ألم الدورة الشهرية من أكثر الأمور التي لا تلقى التقدير الكافي في الحياة.فهو ألم جسدي ونفسي شديد، ورغم ذلك يُنظر إليه باعتباره أمرًا عاديًا تمامًا؛ إذ كثيرًا ما يُقال: "ما المشكلة؟ مجرد ألم في البطن، تابعي حياتك كالمعتاد، لا تُبالغي".
وأُقسم يقينًا، أنه لو كان الرجال هم من يشعرون بهذا الألم، لكنا سمعنا أصواتهم تُدوّي ليل نهار، مع كامل الاحترام والتقدير لدور الرجال المهم في الحياة، وفي إعمار هذا الكوكب، إلا أن هناك أنواعًا من الألم لا يدركونها، ولا يعرفون عن معاناتها شيئًا.
وما يزيد الأمر صعوبة، هو أن هذا الألم ليس عارضًا، بل يتكرر باستمرار، وأنتِ تدركين أنه ليس مجرد أيام قليلة وتنتهي، بل سيعود مرة واثنتين وعشرين.
بطبيعة الحال، يختلف الألم الذي يسبق الدورة الشهرية ويصاحبها من امرأة لأخرى، وفقًا لعوامل كثيرة كالعمر، والحالة الصحية، والنفسية، وغيرها.
هل من الطبيعي أن يكون هناك ألم؟
الإحابة هي نعم.
هل من الطبيعي أن يتغير مزاجك قبل الدورة الشهرية؟ نعم، ولكن هل من الطبيعي أن تصلي إلى حد الاكتئاب أو أن تتأثر حياتك الاجتماعية بشكل سلبي؟ لا.
كل هذه المؤشرات تدل على وجود خلل ما.
فلنتعرف سويًا على أسبابه، ونستعرض الحلول الطبيعية التي قد تساعدنا على تخفيف ألم الدورة الشديد، وتقليل غزارة النزف، والحفاظ على الاستقرار النفسي خلال هذه الفترة، دون الحاجة إلى العلاجات الهرمونية أو النفسية أو المسكنات القوية التي تضر على المدى الطويل.
ما هي متلازمة ما قبل الدورة الشهرية (PMS)؟
كلنا سمعنا من قبل عن متلازمة ما قبل الدورة الشهرية (PMS)، وهي مجموعة من الأعراض التي تظهر عادةً قبل فترة الحيض بيومين أو ثلاثة، وأحيانًا بأسبوع، بل قد تمتد إلى 14 يومًا لدى بعض النساء.
تشمل هذه الأعراض: تقلبات مزاجية، حالة نفسية سيئة، ميل للحزن والاكتئاب، انتفاخات، تقلصات بسيطة في البطن، صداع، آلام متفرقة في الجسم، وانخفاض في مستويات الطاقة.
ومن المهم أن نعرف أن هذه الأعراض لا تظهر جميعها بالضرورة، فقد تظهر بعضها فقط، كما تختلف شدّتها من امرأة إلى أخرى، بل قد تختلف لدى نفس المرأة من شهر إلى آخر، ومن مرحلة عمرية إلى أخرى.
لكن حين تصبح الآلام شديدة وممتدة إلى مناطق أخرى في الجسم مثل الظهر أو الساقين، ويصاحبها تقلصات قوية واضطرابات في الجهاز الهضمي إلى درجة تعيق القدرة على أداء المهام اليومية، هنا نتحدث عن عُسر الطمث.
لكن لماذا تحدث كل هذه الأعراض؟
لماذا قد تصل آلام الدورة الشهرية إلى هذه الدرجة من الشدة وعدم الاحتمال؟
- حمض الأراكيدونيك
واحدة من أهم الأسباب ترتبط بمركّب يُعرف بـ حمض الأراكيدونيك (Arachidonic Acid).
ما هو هذا الحمض؟ وما علاقته بألم الدورة الشهرية؟ حمض الأراكيدونيك هو حمض دهني أساسي، ينتمي إلى عائلة أحماض أوميغا 6، وقد تحدثنا سابقًا عن هذه الأحماض، وعلاقتها بالالتهابات في الجسم.
نعلم أن زيادة أوميغا 6 في الجسم قد تكون من أهم مسببات الالتهاب. تُعد الأحماض الدهنية الأساسية من العناصر الضرورية للجسم، وأهمها نوعان:
أوميغا 3 وأوميغا 6. وكلاهما مهم، لكن لا بد من تناولهما بتوازن وبنسب معينة، أما حمض الأراكيدونيك تحديدًا، فهو يلعب دورًا مهمًا في تكوين مركبات التهابية داخل الجسم، وهذه المركبات قد تُسهم في زيادة شدة تقلصات الرحم وآلام الدورة الشهرية.
والمشكلة أن الجسم لا يستطيع تصنيع هذا الحمض بنفسه، لذا يجب الحصول عليه من خلال النظام الغذائي.
وبالرغم من أن بعض المصادر الطبيعية مثل البيض واللحوم (خصوصًا عالية الجودة) تمدنا بكميات معتدلة من أوميغا 6، فإن النظام الغذائي الحديث مليء بمصادر أخرى غنية جدًا بهذا الحمض، وغالبًا ما تكون مصادر غير ضرورية أو غير صحية، مما يؤدي إلى اختلال التوازن المطلوب بين أوميغا 3 وأوميغا 6، وبالتالي تفاقم الالتهابات وزيادة حدة الألم.
ما هي أبرز مصادر حمض الأراكيدونيك في نظامنا الغذائي؟
أهمها على الإطلاق: الزيوت النباتية المُكرّرة، الدهون المهدرجة، والأطعمة المصنّعة.
فكلما زاد اعتمادكِ في نظامك الغذائي على هذه الأنواع، كلما ارتفعت مستويات أوميغا 6 في جسمك، وبالتالي زادت نسبة حمض الأراكيدونيك.
- ما علاقة هذا الحمض بالدورة الشهرية؟
سأشرح لكِ الأمر ببساطة:
حمض الأراكيدونيك هو مكوّن أساسي يدخل في تكوين مركّبات تُسمى البروستاجلاندينات (Prostaglandins)، وهي نوع من البروتينات الالتهابية التي تزداد نسبتها بشكل كبير في الجسم أثناء فترة الحيض، وهي المسؤولة بشكل مباشر عن الآلام الشديدة التي تشعرين بها خلال هذه الفترة.
بل إن هذه البروستاجلاندينات هي نفس المركبات التي يُفرزها الجسم أثناء الطلق في الولادة، والتي تتسبب في تقلصات شديدة أيضًا – وقد تحدثنا عنها بتفصيل أكبر في حلقة سابقة على القناة.
وكلما ارتفعت مستويات البروستاجلاندينات، زادت معها حدة التقلصات، والآلام، وأعراض متلازمة ما قبل الدورة الشهرية، بل وتفاقم عسر الطمث كذلك، والأخطر أن الجسم حين يحصل على كميات زائدة من حمض الأراكيدونيك، يبدأ بتخزينه في عدة أماكن مثل بطانة الرحم، الدماغ، والعضلات.
وحين يحين موعد الدورة الشهرية، يبدأ الجسم في إفراز البروستاجلاندينات بكثافة لطرد بطانة الرحم، وهنا تحدث نوبات الألم الشديدة، نتيجة تحفيز هذا المخزون الكبير من الحمض المُخزّن سابقًا.
فعندما يحين الوقت الذي يُحفّز فيه الجسم إفراز البروستاجلاندينات لطرد بطانة الرحم، فإن كل هذه الأماكن التي خُزِّن فيها حمض الأراكيدونيك (مثل بطانة الرحم، والدماغ، والعضلات) تتفاعل بزيادة ملحوظة في الالتهاب، مما يؤدي إلى مستويات مرتفعة من الألم.
صحيح أن إفراز البروستاجلاندينات أمر طبيعي ومهم، إذ إنها تلعب دورًا أساسيًا في عدد من الوظائف الحيوية داخل الجسم، ولكن زيادتها عن الحد المطلوب تسبب تلك الأعراض المزعجة والشديدة التي تحدثنا عنها.
إذن،
كيف نقلل من مستويات حمض الأراكيدونيك في الجسم؟
وبالتالي نقلل من حدة الأعراض التي تسبق وترافق الدورة الشهرية؟
أولاً: قللي من مصادر أوميغا 6 في نظامك الغذائي قدر الإمكان.
- تجنبي الزيوت النباتية المُكرّرة.
- ابتعدي عن الزيوت المهدرجة.
- قللي من اللحوم المصنّعة والسكريات.
- حتى الحبوب الكثيرة قد ترفع من مستوى أوميغا 6.
ثانيًا: عزّزي التوازن بتناول مصادر غنية بـ أوميغا 3:
- الأسماك الدهنية مثل السلمون، السردين، والماكريل.
- الدهون الصحية مثل: زيت الزيتون، زيت جوز الهند، وشحوم الحيوانات (باعتدال).
- ومن الأفضل أن تحصلي على 1-2 جرام يوميًا من الأحماض الدهنية الأساسية DHA وEPA عن طريق مكملات أوميغا 3 عالية الجودة.
هل تعلمين أن بعض الدراسات وجدت أن النساء اللواتي يعانين من متلازمة ما قبل الدورة الشهرية (PMS)، يستهلكن:
- نشويات مكررة أكثر بنسبة 62٪
- سكريات مضافة أكثر بنسبة تصل إلى 275٪
- منتجات ألبان أكثر بنسبة 79٪ مقارنة بغيرهن؟
إذًا، تقليل هذه الأنواع من نظامك الغذائي سيُحدث فارقًا كبيرًا جدًا.
ثالثًا: من أقوى المواد الطبيعية التي أنصحك باستخدامها هو الزنجبيل.
الزنجبيل ممتاز في:
- تقليل ألم وغزارة الطمث
- المساعدة على تخفيف التقلصات واضطرابات الجهاز الهضمي
- الحد من الغثيان، الإسهال، الصداع، وآلام البطن الشديدة
إذا كانت هذه الأعراض ترافق دورتك باستمرار، فركّزي على الزنجبيل خلال هذه الأيام، يمكنكِ تناوله على شكل شاي – سواء طازجًا أو بودرة – أو استخدام مستخلص الزنجبيل المتوفر في المكملات الغذائية.
رابعًا: فيتامين B6
يُعد فيتامين B6 من العناصر المهمة جدًا لتخفيف معظم أعراض متلازمة ما قبل الدورة الشهرية.
فهو يساعد في تنظيم مستوى الصوديوم والسوائل في الجسم، مما يؤثر بشكل مباشر على الحالة النفسية والجسدية في هذه الفترة.
وهنا يأتي دور فيتامين B6، الذي يُعد من العناصر الأساسية لتخفيف أعراض الدورة الشهرية لعدة أسباب:
يُقلل من احتباس السوائل عبر تنظيم مستوى الصوديوم.
يُخفف تقلصات الرحم لأنه يحسّن من عملية استقلاب حمض الأراكيدونيك.
يُساهم في تنظيم مستويات الهرمونات، وبالتالي يُخفف من الآلام المرتبطة بالتقلّبات الهرمونية.
يدعم الحالة النفسية عن طريق تحفيز إنتاج النواقل العصبية مثل الدوبامين والسيروتونين، وهو أمر بالغ الأهمية في هذه الفترة التي تشهد فيها النفسية نوعًا من عدم الاستقرار.
الجرعة اليومية المناسبة من فيتامين B6 تتراوح ما بين 50 إلى 100 ملغ،
وللحصول على أفضل فاعلية، يُنصح بتناوله مع الماغنيسيوم، وهو العنصر رقم 4 في قائمتنا.
الماغنيسيوم
من المعروف أن الماغنيسيوم من العناصر الأساسية في تخفيف آلام الدورة الشهرية.
فهو يقلل من التقلصات العضلية والانقباضات المؤلمة (الكرامبس)، وعند تناوله مع فيتامين B6، فإن فعاليته تزداد بشكل كبير، لأن B6 يساعد على تراكم الماغنيسيوم داخل الخلايا التي تُعاني من نقصه.
وقد أثبتت الدراسات أن الجمع بين المكملين له تأثير فعّال جدًا في تخفيف الألم خلال فترة الحيض.
أفضل أشكال الماغنيسيوم التي يُنصح بها:
- ماغنيسيوم سيترات
- ماغنيسيوم ماليت
- ماغنيسيوم جلايسيناتوالجرعة اليومية المثالية: 450 ملغ.
العنصر الخامس: 5-HTP (الهيدروكسي تريبتوفان)
يُعتبر 5-HTP الصيغة النشطة من الحمض الأميني تريبتوفان، والذي يستخدمه الجسم في تصنيع السيروتونين، الهرمون المسؤول عن تحسين الحالة المزاجية والشعور بالرضا والسعادة.
من المعروف أن مستويات السيروتونين تنخفض أثناء فترة الدورة الشهرية، مما يُفسر التقلبات المزاجية، والشعور بالحزن أو الكآبة في هذه المرحلة.
كما أن تراكم حمض الأراكيدونيك في الدماغ يُساهم في تفاقم هذه التقلبات.
فإذا كانت المعاناة النفسية هي أكثر ما يؤثر عليكِ في فترة الحيض، فإن 5-HTP سيكون خيارًا ممتازًا.
فهو لا يساعد فقط في تحسين المزاج، بل يقلل أيضًا من الرغبة الشديدة في تناول السكريات (الكرايفنغ).
من منا لا تشعر برغبة شديدة في تناول الحلوى خلال أيام ما قبل الدورة الشهرية؟
ويُفسد ذلك علينا النظام الغذائي في كل مرة!HTP قد يكون حلًا فعّالًا لتقليل هذه الرغبة المفاجئة.
الجرعة اليومية تتراوح بين 50 إلى 250 ملغ، ويُفضل البدء بالجرعة الأصغر.
د ملاحظة مهمة: لا يُنصح باستخدام هذا المكمل في حال تناولك لأي نوع من مضادات الاكتئاب.
- وأخيرًا: عشبة كف مريم
إن لم يكن بإمكانك شراء المكملات السابقة، فإليك عشبة طبيعية شهيرة، متوفرة في محال العطارة، وسعرها مناسب جدًا:
إنها نبتة كف مريم، التي تُعد من أفضل الأعشاب في تخفيف آلام الدورة الشهرية، كما تُساعد في دعم توازن الهرمونات الطبيعية لدى النساء.