بعد وفاة المدوّنة (Blogger) النباتية
هل توجد مخاطر جسيمةعند اتباع حمية نباتية؟
منذ أسبوع تقريبا، انتشر خبر وفاة مدوّنة نباتية من روسيا. وقد طالبني العديد من الأشخاص بالتعليق على الخبر. وقد قرأت بالفعل مقالات كثيرة عن الأمر، وحاولت أن أكوّن صورة واضحة قليلا، ووجدت أنها فرصة جيدة للحديث بشكل سريع عن الأنظمة الغذائية النباتية، وأن أخبركم برأيي بها، وهل أنصح بها أم لا، خاصة أن هناك حالات كثيرة تأتِ لي وهم يتّبعون بالفعل أنظمة غذائية نباتية، أو أنهم اتبعوها لفترة بهدف علاج مشكلة صحية معينة. لذا دعونا نتحدث قليلا عن الأمر، لأن هناك معلومات كثيرة مهمة يجب معرفتها خاصة مع انتشار خبر مثل هذا قد يجعل أشخاصا كثر في حالة قلق.
يمكنك الآن حجز استشارة مع ندى حرفوش من هنا،
لتحصل على برنامجا صحيا متكاملا ومصمما خصيصاً لك لمساعدتك على التعافي من مشاكلك الصحية بالطرق الطبيعية
خبر وفاة المدونة الروسية (Zhanna Samsonova):
زانا كانت تتبع نظاما نباتيا منذ ستة سنوات، في الخمس سنوات الأخيرة كان نظامها نظاما نباتيا صارما جدا يسمى (Raw vegan)، أي أنه نظام لا يحتوي على أية منتجات حيوانية من أي نوع، يحتوي فقط على كميات كبيرة جدا من الخضروات والفاكهة وعصائر الفاكهة، ويكون الطعام كله نيئا، وإن كان هناك شيئا مطهوا فسيكون مطهوا بدرجة بسيطة جدا.
النظام الغذائي الذي اتبعته هذه المدوّنة تبعا لما قرأت، كان يعتمد على الخضروات والفاكهة النيئة، وعصائر الفواكه، والبراعم وبذور اليقطين، ولم تكن تتناول الملح أو الماء، لأنها كانت تعتمد على عصائر الفواكه كبديل للماء.
هل هذا النظام الغذائي صحي؟
الجواب لا، من وجهة نظري.
هل هذا النظام هو السبب في وفاتها؟
الجواب حيادي بشكل تام، حيث لا أعلم ولا أحد لديه إجابة قاطعة عن هذا السؤال.
حيث قالت والدتها للصحافة أن زانا توفيت بسبب إصابتها بعدوى مشابهة للكوليرا، ولكنها ترى أن النظام الغذائي الصارم جدا الذي كانت ابنتها تتبعه، والذي نصحتها بالتوقف عنه، هو السبب في وفاتها لأنه حمية غير صحية.
كما قال أصحابها أنها في الفترة الأخيرة من حياتها كانت تبدو منهكة جدا وضعيفة وجسدها هزيل، فنصحوها بإجراء الفحوصات والبدء بتلقي العلاج.
من وجهة نظري، ذلك لا يؤكد شيء، فعلى الرغم من كوني ضد هذه الحمية، ولا أشجع أحدا على القيام بها، ولكني أرى أن الناس عامة تخاف من الشيء الغريب والمختلف عن السائد. وإن نظاما غذائيا صارما بهذا الشكل من المؤكد أنه سيكون مصدر تخوف للأشخاص المحيطين بالشخص الذي يقوم به حتى لو كان نظاما صحيا. لذا من الطبيعي في حالة إصابة هذا الشخص بأي مكروه، أن يوجه كل من حوله أصابع الاتهام للشيء غير الطبيعي وغير المعتاد الذي يقوم به. لذا قد لا تكون تخميناتهم صحيحة؛ فمن المحتمل أن يكون لنظامها الغذائي تأثير، وأنه قد تسبب في جعل مناعتها ضعيفة ولا تستطيع مقاومة العدوى، ومن المحتمل بأن لا تأثير له.
لماذا أقول هذا الكلام؟
لأنه في أوقات مماثلة تظهر آراء ترعب الناس وتخبرهم بأن جميع الأنظمة الغذائية الإقصائية (restrictive diets) خاطئة؛ تعمل على تدمير الجسم وقتل الناس. وتجد إطلاق أحكام عام على جميع الأنظمة الغذائية على الرغم من عدم تشابهها.
وإن الأنظمة الإقصائية هي الأنظمة التي تمنع تناول نوع معين أو صنف معين من الطعام. ولكن الأنظمة الإقصائية ليست متشابهة، وليس بالضرورة أن تكون سيئة، وذلك لسبب بسيط جدا، أن هناك أنواع من الطعام تحتوي على عناصر لا يستطيع جسم الإنسان الاستغناء عنها.
هل يستطيع جسم الإنسان الاستغناء عن الأحماض الدهنية الموجودة في الدهون الصحية؟
بالطبع لا، بالتالي فإن جميع الأنظمة الغذائية التي تمنع الدهون تماما تعتبر غير صحية لأنها تحرم الجسم من نوع مهم من المغذيات الأساسية.
هل يستطيع جسم الإنسان الاستغناء عن البروتين الحيواني؟
بالطبع لا، لأن الأحماض الأمينية والمعادن والفيتامينات الموجودة في البروتين الحيواني أساسية لبناء الجسم، وكثير منها ليس له بديل، وغير موجود إلا في البروتين النباتي. لهذا السبب أعتبر الأنظمة الغذائية النباتية غير صحية، أو لا ينفع اتباعها لفترات طويلة على الأقل، حيث من الممكن أن تكون مطلوبة لظروف معينة لفترات قصيرة.
هل يستطيع جسم الإنسان الاستغناء عن النشويات؟
أجل بالطبع، لأن النشويات ليست من العناصر الأساسية، فهي تعتبر مصدرا للطاقة، حيث يستطيع جسم الإنسان استبداله بطاقة الدهون، خاصة النشويات المكررة التي تأتِ ضمن حزمة كبيرة جدا من الأضرار، وتسبب الكثير من المشاكل الصحية.
لكن هذا لا يعني بالضرورة قطع النشويات، لأن قطع النشويات أمر نلجأ له لحل المشاكل الصحية المرتبطة بالالتهاب، ومشاكل السكر، وزيادة الوزن، والسرطانات. أو للأشخاص الذين لديهم الرغبة في قطع النشويات لعيش نظام صحي. ولكن الذي يجب فعله هو الابتعاد عن مصادر النشويات المصنعة تماما، وتقليل كميات وعدد مرات تناول النشويات في اليوم لأنها غير أساسية لأجسامنا.
أما أن السكر هو غذاء الدماغ، وأن الإنسان لا يستطيع العيش دون سكر فقد أجبت على ذلك سابقا.
هل من الممكن القيام بنظام غذائي يقطع الخضروات والفاكهة تماما؟
أجل من الممكن، ولكن لفترة غير كبيرة، وهو ما يسمى نظام الكارنيفور، ونلجأ له في حالات معينة مثل أمراض الأمعاء الالتهابية، لأن الجهاز الهضمي لا يكون لديه القدرة على امتصاص الألياف والمعادن والفيتامينات الموجودة في الخضار والفاكهة، فتكون مرهقة للجهاز الهضمي في هذا الوقت ولا نستطيع الاستفادة منها، فيتم قطعها لفترة لهدف معين.
لذا لا يوجد شيء في العموم يقول أن الأنظمة الاقصائية جيدة أو سيئة، حيث أن الأمر قائم على ما هو أساسي وما هو غير أساسي للجسم.
النظام النباتي:
إن النظام الغذائي النباتي ليس واحدا، فهناك العديد من الأنظمة النباتية؛ فهناك حمية (vegetarian)، وحمية (vegan). حيث أن حمية (vegetarian) أقل صرامة لأنها تسمح بتناول منتجات الحيوانات وليس تناول اللحوم نفسها؛ أي أنها تسمح بتناول البيض ومنتجات الألبان، فالمنتجات الحيوانية تأتِ من الحيوانات دون أن يتطلب ذلك إيذاؤها أو قتلها. تلك هي وجهة نظر أي شخص (vegetarian).
ويندرج تحت حمية (vegetarian) حمية أخرى تسمى (pescatarian)، تماثل حمية (vegetarian) تماما، ولكنها تسمح بتناول الأسماك والمأكولات البحرية فقط. أما حمية (vegan) فإنها تمنع حتى المنتجات الحيوانية، حيث تسمح بتناول المنتجات النباتية فقط من الخضار، والفاكهة، والبقوليات، والحبوب.
أما حمية (Raw vegan) التي كانت تتبعها زانا فهي الأكثر صرامة، لأنها تمنع تناول الأطعمة المصنعة بشكل تام، وتمنع الطعام المطهو إلا على درجات حرارة معينة ومنخفضة إلى حد كبير.
هل هناك فوائد للأنظمة النباتية؟
أجل، فهي تعمل على تقليل الالتهابات، وضبط سكر الدم إلى حد كبير، كما تساعد على خسارة الوزن لو كان من يقوم بها ملتزم بنظام صحي خال من الأطعمة المصنعة. لكنها تسبب في المقابل مشاكل صحية أخرى كثيرة مرتبطة بنقص البروتين والأحماض الأمينية والمعادن والفيتامينات.
فهناك أشخاص كثيرون لديهم مشاكل مناعة ذاتية تم نصحهم بقطع البروتين الحيواني بهدف تقليل الالتهابات، وبالفعل كانت مستويات الالتهاب تنخفض، ولكن كانت تظهر لهم مشاكل أخرى مثل مشاكل نقص المعادن والأنيميا، وفقدان الكتلة العضلية، وبطء الاستشفاء، مما يسبب زيادة الالتهاب مرة أخرى مع طول فترة الالتزام.
إن البروتين النباتي لم يكن يوما بديلا للبروتين الحيواني، فهناك اختلاف من حيث قدرة الخلايا على امتصاصه، ومن حيث وجود الأحماض الأمينية الأساسية فيه، ومن حيث جودة البروتين نفسه.
كما أن البروتين الموجود في البقوليات يرافقه كميات كبيرة من النشويات، وحمض الفايتك، والليكتنز وهم ما يطلق عليهم مضادات المغذيات كنت قد تطرق للحديث عنهم سابقا.
هم ليسوا سيئين بالمطلق، ولكن لا يجب تناولهم بكميات كبيرة في نظامنا الغذائي، فللحصول على ما يحتاجه الجسم من البروتين، سيتم تناول كميات أكبر من مضادات المغذيات المرافقة للبروتين النباتي، وهو أمر غير صحي. لذلك فإني لا أنصح أحدا باتباع نظام نباتي لفترة طويلة من الوقت.
هذا إلى جانب أنه ليس البروتين الحيواني ما يسبب الالتهاب والمشاكل، فلو كانت بروتينا عالي الجودة، وآت من حيوانات تم تربيتها بعيدا عن الأعلاف والأدوية، فلن تسبب هذه اللحوم أية مشاكل، بل على العكس.
متى أنصح بالالتزام بالنظام النباتي؟
أنصح به في حالات قليلة جدا، مثل:
- لو كان الشخص يريد القيام بعملية نزع السموم (detox) لفترة قصيرة.
- لو كان الشخص يريد رفع الروحانيات لديه عن طريق العبادات أو التأمل أو أي نوع من الممارسات الروحانية، حيث أن بعض المدارس ترى أن عدم تناول اللحوم يعزز الحالة الروحانية. فمن الممكن فعل ذلك ولكن لفترة قصيرة.
خلال هذه الفترة يكون هناك حاجة لتعويض نقص المعادن والفيتامينات من المكملات الغذائية مثل الزنك ومجموعة فيتامينات ب. غير ذلك فإني أنصح باحتواء نظامنا الغذائي على البروتين الحيواني بكميات متوسطة وليست كبيرة، خاصة لو كان طفلا في عمر صغير وفي مرحلة النمو أو في مرحلة البناء العضلي، حيث يكون هناك حاجة للتركيز على البروتين.
أتمنى من الله حماية الجميع، وعدم السماع عن أية حوادث من هذا النوع؛ بأن يفقد شخص حياته وهو في عمر الشباب لأي سبب كان.
