فوائد وأضرار التمر التي لا يتحدث عنها أحد
متى يجب التوقف عن تناول التمر؟
لا يخلو بيت عربي من التمر، فهو جزء من ثقافتنا، خاصة في المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي والعراق وحتى هنا في مصر. فحينما نسمع "إن التمر غير صحي فلا تأكلوه" يجب أن نندهش ونتفاجأ ونسأل كيف ولماذا، فأجدادنا جميعهم نشأوا على تناول التمر، فكيف لا نأكل التمر؟!
في الحقيقة إن التمر من الأمور ذات القيمة الغذائية العالية، ولكن يجب أن نفهم ما هو سبب هذا الجدل القائم حوله، وهل علينا القلق من تناول التمر أم نتناوله بشكل عادي؟ ومتى نستطيع تناول التمر ومتى لا نستطيع؟ وهل مريض السكر قادر على تناول التمر؟ ولو كنت أعاني من اضطراب مناعي، فهل يضير تناول التمر؟
محتوى التمر:
التمر من العناصر الغذائية ذات القيمة الغذائية العالية، فالتمرة الواحدة تحتوي على:
66 سعرا حراريا؛ 18 جراما منهم كربوهيدرات، فيهم 16 جراما من السكر وتقريبا جرامين من الألياف، مع نصف جرام من البروتين، ومجموعة من المعادن مثل البوتاسيوم والمغنسيوم والنحاس والمنجنيز.
كما أن النخيل الذي ينتج التمر يعدّ من النباتات التي تتحمل الظروف البيئية القاسية أثناء الزراعة، مما يجعلها لا تحتاج إلى المبيدات بشكل كبير، مما يعتبر ميزة مهمة جدا.
هل هذا يعني أن التمر صحي؟
إن التمر منتج طبيعي غير مصنع، تنتجه الطبيعة دون تدخل بشري، مما يجعله اختيارا صحيا، ويعتبر أفضل من معظم الأمور التي أصبحنا نحن البشر نستهلكها بشكل يومي تقريبا في نظامنا الغذائي. ولكن المشكلة الحقيقية لا تكمن في التمر، وإنما في الأمور الخاطئة الأخرى التي نستهلكها حتى تسبب لنا مشاكل صحية تجعل التمر غير مناسب لنا.
فالتمر يحتوي على كميات كبيرة جدا من السكر، وبالتحديد سكر الفركتوز. وعلى الرغم أن الفركتوز صيغة طبيعية من السكر غير معالجة مثل سكر المائدة، ولكن هناك حالتان تكون فيهما أضرار سكر الفركتوز أكثر من فائدته؛
- أن يتم استهلاكه بإفراط.
- أن يكون هناك مشكلة صحية يؤثر الفركتوز عليها بشكل سلبي.
بمعنى آخر، لو كان نظامك الغذائي ملئ بالسكر والنشويات المكررة والحلويات والمعجنات والطعام المعالج، فتسبب لك بالإصابة بالسكري أو الكبد الدهني، حينها لن يكون تناول التمر أفضل اختيار لو كنت تريد إصلاح مشاكلك.
ولكن في حال كان نظامك صحي فلن يكون لديك مشاكل، بالتالي ستستطيع تناول التمر بشكل طبيعي، بل وسيكون اختيارا جيدا؛ فالمشكلة ليست بالتمر، وإنما في الأمور الخاطئة التي نرتكبها كل يوم.
هي مقارنة غير عادلة حين نقارن أنفسنا بأجدادنا الذين كان يعيشون على التمر، فأجدادنا لم يكن لديهم وجبات سريعة، ولم يكونوا يجلسون في المكاتب والبيوت طوال الوقت، إلى جانب أن اعتمادهم بشكل كبير على التمر كان بسبب عدم توفر أنواع مختلفة من الطعام باستمرار كما في وقتنا الحالي، فقد كانوا يعتمدون على المتاح والمتوفر ليس أكثر.
إن التمر مفيد لشخص طبيعي ذو صحة جيدة ولا يعاني من المشاكل، ويلعب الرياضة أو لديه معدل حركة عال بشكل يومي، ويستهلكه باعتدال، تمرتين إلى ثلاث تمرات على الأكثر. فأنا لم أتناول التمر حينما كنت أتبع نظاما غذائيا للتعافي من الروماتويد، ولم أتناوله مرة أخرى إلا بعد التعافي التام من الروماتويد، هنا أصبحت أتناول تمرة أو اثنتين في فترات متباعدة.
ما هي الحالات التي يكون فيها تناول التمر مسببا للضرر؟
- الإصابة بالأمراض المناعية:
- لأن سكر الفركتوز يزيد من مستويات الالتهاب في الجسم، خاصة حينما يكون الجسم بالأصل في حالة التهاب. فالأمراض المناعية مرتبطة بارتفاع معدلات الالتهاب، لذا فالتمر سيزيد من المشكلة حتما.
- كما أنه يسبب خللا في تنظيم جهاز المناعة. وإن علاج الأمراض المناعية يبدأ من تعديل الجهاز المناعي حتى تعود ردود الفعل المناعية إلى الوضع والنظام الطبيعي مرة ثانية. والتمر من أكثر العناصر الغذائية ذات المحتوى العالي من الفركتوز مما يجعله غير مناسب لهذه المرحلة. حيث تقول الدراسات أن النظام الغذائي عالي الفركتوز يعطل التوازن المناعي في الجسم لأنه يغير في تنظيم عملية التمثيل الغذائي، كما يؤثر على الميكروبيوم ونفاذية الأمعاء، أي أنه يزيد من ارتشاح الأمعاء، وهو أمر يتسبب بشكل مباشر في الإصابة بالأمراض المناعية. هل تعلمون أن 40% من مرضى التصلب المتعدد يعانون من سوء امتصاص لسكر الفركتوز، حيث أن أمعاءهم غير قادرة على التعامل معه. وإن 40% هي نسبة كبيرة تؤكد أن الأمر ليس بمحض الصدفة.
أعلم أن منع التمر لفترة طويلة أمر صعب على مواطني الدول الخليجية، فقد قالوا لي مرات عدة أنهم على استعداد لقطع السكر والخبز والقهوة ولكنهم لا يستطيعون الامتناع عن التمر، وذلك لأنه جزء أساسي من الثقافة والحياة اليومية لهم، ولكن التعافي من الأمراض يحتاج للتضحيات وتغيير العادات مهما كانت متأصلة فينا. هذا هو الوعي الذي يجعل الشخص قادرا على التغلب على المرض بعكس الشخص آخر.
- مرضى السكر ومقاومة الأنسولين:
التوصيات العالمية تقول أن مصابي السكر يستطيعون تناول التمر كبديل آمن للسكر، ولكني لا أعرف كيف ذلك حقيقة. فهم يعتمدون أن التمر من الأطعمة ذات المؤشر الجلايسيمي المنخفض (low glycemic index food)، والمؤشر الجلايسيمي هو تأثير نوع معين من الطعام على سرعة وقوة ارتفاع سكر الدم بعد تناوله. وإن المؤشر الجلايسيمي للتمر يتراوح بين (44-53) تبعا لنوع التمر، في حين أن المؤشر الجلايسيمي لسكر المائدة يساوي 65، أي أنه لا يوجد فرق كبير بينهما. لذلك لا أعلم كيف أوصي مريض سكري بتناول التمر على أساس انخفاض مؤشره الجلايسيمي والتمرة الواحد تحتوي على 16 جم من السكر! كما أنه من يتناول تمرة واحدة؟ أي شخص سيتناول أكثر من تمرة واحدة، والأغلبية سيلتزمون بتناول 7 تمرات يحتوون على 112 جرام من السكر على الأقل.
هذا إلى جانب نوع السكر الذي يحتوي عليه التمر، حيث يحتوي على كميات كبيرة من سكر الفركتوز الذي يختلف عن سكر المائدة في أن سكر المائدة يتم استقلابه في جميع خلايا الجسم، أما الفركتوز يتم حرقه في الكبد فقط، لذا فهو من أهم مسببات الإصابة بالكبد الدهني، حيث يبدأ الكبد في تخزين الفائض من السكر على شكل جلايكوجين ثم على شكل دهون حول الكبد نفسه، مما يتسبب بالكبد الدهني.
وإن الغالبية العظمى من مرضى السكر ومقاومة الأنسولين يعانون من الكبد الدهني، مما يوصلنا إلى نقطة أن المصاب بالكبد الدهني أو يعاني من ارتفاع الدهون الثلاثية يجب أن يمت نع عن تناول التمر حتى يعالج المشكلة.
إن الإصابة بالسكري أو مقاومة الأنسولين مع ارتفاع الضغط والكبد الدهني وارتفاع الدهون الثلاثية يعني أن الشخص مصاب بالمتلازمة الأيضية، وهي مشكلة صحية خطيرة يجب معالجتها، وعلاجها يبدأ من الالتزام بنظام غذائي خال من السكر والنشويات والالتزام بالصيام المتقطع لمدة لا تقل عن ستة أشهر. عودوا إلى مقال وحلقة المتلازمة الأيضية للمزيد من المعلومات.
- مرضى النقرس:
النقرس مرض التهابي يسبب التهاب المفاصل. يحدث نتيجة وجود استعداد وراثي يتم تحفيزه ببعض العوامل، منها تناول سكر الفركتوز الموجود في التمر بكميات كبيرة. فإن مخلفات استقلاب أو حرق الفركتوز في الجسم تسبب هجمات النقرس، لذلك على المصاب بالنقرس الامتناع عن التمر والفاكهة عالية الفركتوز وتقليل البروتين الحيواني وليس الامتناع عنه. عودوا إلى حلقة ومقال النقرس للمزيد من المعلومات.
- مصابي فرط نمو الفطريات:
فالكانديدا التي تظهر في صورة ابيضاض في اللسان، وفطريات مهبلية لدى السيدات، من الممكن أن تسبب الإصابة بالأكزيما. ذلك لأن الكانديدا تتغذى على السكريات البسيطة مثل السكروز والفركتوز واللاكتوز الموجود في منتجات الألبان، فلو كنت تحاول علاج الكانديدا يتوجب عليك وقف استهلاك التمر لفترة.
- الأشخاص الذين يلتزمون بحمية الكيتو:
فالتمر غير مناسب لنظام الكيتو، حيث بإمكان تمرة أن تخرجك من حالة حرق الدهون لتعيدك إلى حالة حرق السكر. فبعض الآراء يسمح بتناول تمرة واحدة في اليوم خلال حمية الكيتو لأنها تحتوي على 16 جراما من الكربوهيدرات بينما الحصة اليومية المسموح بها هي 20 جراما.
ولكن الأمر لا يتم حسابه بهذه الطريقة، لأنه من المستحيل أن يكون محتوى بقية الوجبات من الكربوهيدرات يساوي صفرا، لذلك لا نستطيع القول أنك ستبقى ضمن العشرين جراما. ثانيا وهو الأهم أن التمر يرفع من سكر الدم، وبالتالي سيعيد الجسم إلى حرق السكر بدلا من حرق الدهون، فالكيتونات حساسة جدا، وأي ارتفاع ضئيل في مستوى السكر سيعيدك إلى حرق السكر.
أيضا غالبية الأشخاص الذين يتبعون حمية الكيتو تكون أجسادهم في البداية غير مرنة في التبديل بين مصادر الطاقة المعتمد عليها في الحرق، فيتم التنقل بين الجلوكوز والدهون بصعوبة مما يجعلهم يشعرون بأعراض الهبوط والتعب طوال الوقت بسبب مواجهة الجسم لصعوبات في العودة إلى حرق الدهون.
كلمة أخيرة:
حتى لو كنت شخصا طبيعيا وسليما وجسدك يخلو من المشاكل الصحية وتحب التمر فعليك استهلاكه باعتدال. فالإفراط في أي أمر ليس جيدا، خاصة لو كان هذا الأمر يحتوي على السكر. لذا يجب أن يغلب الوعي الكافي على السلوكيات والعادات التي يتم التعامل فيها مع الطعام حتى لا ينتقل من كونه أمرا مفيدا إلى شيء ضار بسبب الإفراط.
أيضا يجب القيام بالتمارين الرياضية والمثابرة على الحركة الدائمة والالتزام بالصيام المتقطع لأنه أكثر الأمور التي تجعل سلوكياتنا مع الطعام أكثر وعيا. فنعرف الفرق بين الجوع الحقيقي والجوع المزيف، ملاحظة وصولنا إلى مرحلة الشبع أو الاكتفاء من شيء معين، فيقول الجسم أنه اكتفى.
بينما حين تكون جميع السلوكيات مع الطعام عشوائية تخلو من التنظيم والوعي، مهما كان الشيء صحيا، فمن الممكن أن أحوله إلى ضرر وأذى للجسم.
باختصار شديد، لو كنت تعاني من مرض مناعي أو سكري أو كبد دهني أو نقرس أو فرط في نمو الفطريات، يجب تجنب التمر حتى التعافي من هذه الأمراض والمشاكل والتغلب عليها، وهي جميعها مشاكل يمكن علاجها وحلها. ثم يتم الالتزام بنظام صحي، وتناول التمر باعتدال، ليس أكثر من ثلاث حبات من التمر في اليوم على الأكثر.