الالتهاب طويل الأمد منخفض الدرجة
تفادى هذا الالتهاب لانه أصل جميع الأمراض
هل جسدك يؤلمك طوال الوقت؟ ولديك صداع أو أوجاع متفرقة في جسدك لا تعلم سببها؟ ورغم كل ذلك فإن تحاليلك سليمة وليس لديك مشكلة واضحة خلال الكشف تسبب هذا التعب! شخص يقول لك أنيميا، وآخر نقص فيتامين د، وآخر إرهاق وعليك بالراحة وستكون بخير... تقريبا جميع الناس يشعرون بذلك، وبعد ذلك ينسَون الأمر ويستكملون حياتهم بشكل عادي...
هل تعلمون أن كل ما قلناه سبب ومقدمة لكل مرض يصيب الإنسان، بدءا من أتفه الأمور مثل الصداع، حتى السكري والأمراض المناعية، وانتهاء بالسرطان. وجميع هذه الأعراض سببها واحد، هو الالتهاب طويل الأمد منخفض الدرجة، فهو أصل جميع الأمراض.
دائما ما نسمع كلمة التهاب، ولكننا لا نفهم ما هو هذا الالتهاب، ولا نعلم كيف يحدث أو لماذا، ولماذا هو أمر خطير، ولماذا الأشخاص المصابون بالأمراض مشاكلهم مرتبطة بالالتهاب، أو نعلم ما الذي نستطيع فعله للحد من الالتهاب؟
يمكنك الآن حجز استشارة مع ندى حرفوش من هنا،
لتحصل على برنامجا صحيا متكاملا ومصمما خصيصاً لك لمساعدتك على التعافي من مشاكلك الصحية بالطرق الطبيعية
ما هو الالتهاب؟
الالتهاب هو ردة فعل يقوم بها جهاز المناعة لحماية الجسم. والالتهاب في حد ذاته جيد، فهو آلية من آليات الجسم للدفاع عن نفسه وإصلاح أي ضرر. ولكن هناك نوعين من الالتهاب:
- الالتهاب قصير الأمد.
- الالتهاب طويل الأمد منخفض الشدة.
الالتهاب الحاد قصير الأمد:
قد يقول أحدهم أن الالتهاب الحاد هو السيئ الذي لا نريده، ولكن في الحقيقة أن الالتهاب الحاد هو النوع الجيد من الالتهاب. وهو ما يحدث بالضبط عند الإصابة بالعدوى، مثل الزكام أو النزلة المعوية، أو أي شيء غريب مهدد للجسم، مثل الفيروسات أو البكتيريا الضارة، يرصده جهاز المناعة فيبدأ بإرسال خلايا الجهاز المناعي المسؤولة عن قتل وإبادة هذا الجسم الغريب، وبالتالي يحدث الالتهاب الحاد. حتى عندما نتعرض للجروح أو تحصل إصابة، فالاحمرار والتورم والألم هم الاستجابة الطبيعية للالتهاب الحاد. والالتهاب الحاد ينتهي عادة بعد ساعات أو أيام، ويبدأ الجسم بإصلاح آثار الدمار البسيط الذي حدث نتيجة الالتهاب وينتهي الأمر، ونتعافى من العدوى وتلتئم الجروح.
والالتهاب الحاد جيد لأن له سبب واضح وأعراض جلية نستطيع معرفته من خلالها، وينتهي بعد فترة قصيرة بانتهاء السبب، وهو ضروري للحفاظ على حياتنا وحمايتنا من الأمراض.
الالتهاب منخفض الشدة طويل الأمد:
هو أصل كل مرض وكل ألم، وحرفيا هو أخبث من السرطان، فهو السبب في الإصابة بالسرطان، وهو العامل المشترك بين جميع الأمراض، وعلى الرغم من كونه خبيثا وخطيرا، إلا أنه من السهولة السيطرة عليه.
لكن المشكلة الحقيقية في الالتهاب منخفض الشدة أنه مع الوقت يتسبب في تلف الأعضاء ولكن ببطء دون أن تنتبه إلى ذلك، كما أنه سبب ونتيجة للإصابة بالأمراض. فهناك أشخاص يعتقدون أن الالتهاب مرتبط بالأمراض الالتهابية، فهو ليس لديه مرض مناعي أو مرض التهابي حتى يعاني من الالتهابات، ولكن في الحقيقة أننا جميعا نعاني من الالتهابات بدرجات مختلفة. ولو لم يكن لدينا التهابات لم نكن سنصاب بالأمراض، فأغلب الأمراض التي انتشرت في السنوات الأخيرة هي أمراض مرتبطة بالأساس بالالتهابات والجينات، مثل الأمراض المناعية والسكر والسرطان. فهذه الأمراض مرتبطة بجينات معينة موجودة في أجسامنا، فهذه الجينات تكون كامنة لكن لها محفزات، لو وجدت هذه المحفزات ستتحول هذه الجينات من حالة الكمون إلى النشاط، فيظهر المرض، ويعد الالتهاب من أهم المحفزات.
كيف يحدث الالتهاب طويل الأمد منخفض الشدة؟
محفز بسيط جدا لا ننتبه له يحفز جهاز المناعة على القيام بردة فعل بسيطة منخفضة الشدة، ولكن هذا العامل المحفز موجود باستمرار، بالتالي فإن الالتهاب سيستمر كل يوم، مما يضع الجسم في حال احتراق (On fire)، قد لا يكون احتراقا كبيرا كالذي يتسبب به الالتهاب الحاد، ولكن الجمر تحت الرماد يأكل في الأعضاء بشكل مستمر، هذا هو حرفيا الالتهاب طويل الأمد.
محفزات الالتهاب طويل الأمد؟
- الإصابة بالاضطرابات المناعية والالتهابية والأمراض التي ترفع معدلات الالتهاب:
مثل مرض السكري، فالالتهاب هو السبب في جميع المضاعفات التي تسببها هذه الأمراض، لذلك يقولون أن الأمراض تقلل العمر الافتراضي للشخص عشر سنوات، إما لأن الالتهاب يفقد الأعضاء وظيفتها، أو لأنه يتسبب في مضاعفات قاتلة مثل الإصابة بالسرطان وأمراض القلب والسكتات الدماغية والفشل الكلوي.
- الإصابة ببعض أنواع الفيروسات المزمنة:
مثل فيروس سي مثلا، لذلك يسمى بالتهاب الكبد الوبائي سي، لأن الأثر المدمر لهذا المرض لا يكون بسبب الفيروس، بل يكون بسبب الالتهاب، فالجسم يرى الفيروس طوال الوقت فيهاجمه فيسبب الالتهاب بشكل مستمر، والالتهاب على المدى البعيد هو ما يدمر أنسجة الكبد. وبمناسبة الحديث عن (hepatitis-c) فأنا كنت مريضة سابقة بالكبد الوبائي النوع سي.
- التقدم في السن:
فكلما كبرنا في السن كلما زادت عمليات الأكسدة في أجسامنا، وزاد موت الخلايا ولم يعد بقدرة الجسم تجديد الخلايا بذات الكفاءة التي تحصل ونحن صغار لأن هرمونات النمو تقل. وابتداء من سن الثلاثين تبدأ مستويات الالتهاب بالزيادة في أجسامنا، وهو السبب الأساسي للشيخوخة والأمراض المرتبطة بالشيخوخة مثل الزهايمر والخرف. وتقل كفاءة الأعضاء مع الوقت بسبب الالتهاب منخفض الدرجة طويل الأمد، مما يجعل الشخص يبدو أكبر من عمره.
- البيئة الملوثة:
فالبيئة الغنية جدا بالملوثات تسبب زيادة مستويات الالتهاب، ونمط الحياة غير الصحي يعد من أكبر أسباب زيادة الالتهاب، مثل الطعام غير الصحي، والتدخين وقلة الحركة، وزيادة الوزن. وإن دهون البطن (الدهون المتراكمة على الأعضاء) مرتبطة بزيادة معدلات الالتهاب، لذلك فهم أكثر عرضة للإصابة بالسكري وارتفاع ضغط الدم والأزمات القلبية والسكتات الدماغية.
- التعرض للضغوط النفسية والتوتر باستمرار:
لأنه يرفع هرمونات التوتر؛ الكورتيزول والأدرينالين بشكل مباشر، مما يتسبب بالزيادة الفورية لمعدلات الالتهاب.
- ارتشاح الأمعاء:
دائما أقول أن صحتنا تبدأ من أمعائنا، فمن أمعاؤه سليمة هو بنسبة كبيرة جدا سليم الجسد، ومن كانت أمعاؤه غير سليمة فمن المستحيل أن يكون جسده سليما حتى لو لم يظهر عليه مرض بأعراض محددة.
وإن ارتشاح الأمعاء أو تسرب الأمعاء هو حالة يحصل فيها ترقق لجدار الأمعاء، فتبدأ السموم والبروتينات الضارة بالتسرب إلى مجرى الدم، فيراها جهاز المناعة على أنها تهديد، فيبدأ بإحداث ردود فعل مستمرة تتسبب بحدوث التهاب، تكون نتيجتها الحتمية الإصابة بمرض مناعي أو مرض مزمن. والذي يتسبب بحدوث ارتشاح الأمعاء هو الالتهاب الناتج عن عدوى، مثل عدوى جرثومة المعدة، أو خلل في التوازن البكتيري، أو تناول طعام غير صحي، أو تناول طعام يسبب التحسس، وهو بالأصل طعام التهابي مثل الجلوتين واللاكتوز والطعام المعالج.
إن لم تكن مريضا بمرض معين، وتريد التأكد إن كنت مصابا بالالتهابات أم لا:
إن الالتهاب منخفض الدرجة ليس عدوا واضحا تستطيع مواجهته، بل هو عدو خبيث جدا، موجود طوال الوقت لكنك لا تراه ولا تستطيع الإمساك به. لا يوجد أحد في الدنيا معدل الالتهاب في جسده يساوي صفرا مهما كان سليما. لذا نجد أن هناك معدلات طبيعية (Normal range) في الفحص المخبري لمعامل الالتهاب، لذا لو كان معدل الالتهاب ضمن الحدود الطبيعية فأنت تعتبر طبيعيا ولا يوجد أي نشاط غير طبيعي في جسمك، أما في حال تعديه للحدود الطبيعية فذلك يعتبر مشكلة كبيرة. لذا لا نستطيع مطاردة الالتهاب لأنه متخفٍّ.
كيف نجعل البيئة غير مهيأة للالتهاب؟
أكثر أمر لديه القدرة على محاربة الالتهاب على الإطلاق هو الصيام، فكلما كان الصيام أسلوب حياة لنا كلما كان نمط الطعام بالنسبة لنا منظما أكثر، نأكل عند الحاجة فقط، ونأكل حينما نجوع جوعا حقيقيا، فكلما قللنا الالتهاب كلما أخذ جسدنا فرصته لإصلاح نفسه وحل مشاكله. وإن الصيام المطول (الصيام لمدة أيام) لديه القدرة على علاج الأمراض المناعية والسرطانات، لأنه يحفز الالتهام الذاتي. وقد تحدثت عن هذا الأمر سابقا. لذا فإن النصيحة التي أقدمها لكم هي "صوموا حتى تصحوا" فمن يريد الحفاظ على صحته أو يعالج مشاكله أو يؤخر علامات الشيخوخة فعليه بالصيام. وإن هذه النصيحة للأشخاص السليمين والمرضى في ذات الوقت.
وإن الصيام هو ملخص لكيفية تناول الطعام، وأما ماذا نأكل فهو النظام الغذائي. لن نحدد نوع حمية غذائية معينة، ولكن على الأقل يجب الابتعاد عن تناول الأطعمة المحرضة على الالتهاب، مثل: الأطعمة المعالجة (كل طعام دخل المصنع وخرج على هيئة مختلفة عن الذي خلق عليه)، واللحوم المصنعة والوجبات السريعة والحلويات والمعلبات والدهون المهدرجة والزيوت النباتية والسكر والجلوتين واللاكتوز.
قد يسأل أحدكم، إذن ماذا سنأكل؟ وهو في الحقيقة سؤال لا يعرف الرد عليه سوى شخص قام بعملية قلب مفتوح، أو اضطر لجلسات علاج كيماوي، فالصحة ليس لها ضمان، وأعضاؤنا ليس لها قطع غيار.
- سيتم التركيز على تناول الطعام الذي يحتوي على العناصر الغذائية التي يحتاجها الجسم؛
مثل الدهون الصحية، والبروتين الحيواني، والنشويات المعقدة بكميات صغيرة، والخضار، والفاكهة باعتدال بالنسبة للأصحاء. أما بالنسبة للكميات، فأي شخص يصوم لا يستطيع تناول أكثر من حاجته من الطعام، جربوا وستعرفون بأنفسكم، فالصيام يؤدبنا ويهذب الروح ويمنع السلوكيات الخاطئة مع الطعام بشكل تلقائي.
- يجدر الانتباه إلى أن تناول الطعام الصحي لا يعني الحصول على جميع العناصر الغذائية التي يحتاجها الجسم.
فهناك عناصر غذائية كثيرة يحتاجها الجسم غير متوفرة في الطعام بكميات وافرة، مثل فيتامين د والأحماض الدهنية الأساسية والمعادن النادرة. وقد تحدثت عنهم جميعا في مقالات وحلقات أخرى. كما يجدر الانتباه إلى أن كثيرا من العناصر الغذائية نقصها يحرض على الالتهاب، مثل الأوميجا-3. فمثلا، لو كنا نتناول الأوميجا-6 في نظامنا الغذائي ولا يوجد ما يعادلها من الأوميجا-3 فهذا الخلل يسبب رفع نسبة الالتهاب في الجسم.
- الحركة مهمة جدا
فالجلوس الدائم في المنزل أو المكتب أو أمام التلفاز طوال الوقت يعتبر أخطر من التدخين وتناول الأطعمة الخاطئة. لذا يجب المشي على الأقل عشرة دقائق بعد الوجبات لو لم نكن سنتمرن.
- التأريض
وهو الاتصال بالطبيعة، كالمشي عاريي القدمين على أرض حقيقية ليست اسمنت أو بلاط أو سيراميك. كنت قد شرحت أهمية التأريض في مقال سابق.
- الرياضة
فهي من أكثر الأمور التي ترفع هرمون النمو، لذا فهي من أفضل الأمور التي تحارب الالتهاب. وإن هرمون النمو يقل في أجسامنا كلما كبرنا، لذا فإننا نبحث عن الطرق التي تزيده. كما تحمي الرياضة من السمنة التي تزيد من الالتهاب، وتزيد مرونة المفاصل وقوة العضلات، وتحسن الحالة النفسية، وتنظم إفراز هرمونات التوتر.
- الابتعاد عن التوتر وتقليل الضغوط.
والحياة ليست كلها ضغوط، فهناك أمور لدينا فيها حق الاختيار، أنا مثلا قررت أن أختار الهروب من جميع الضغوط والتوتر والتلوث الذي يملأ المدينة وأن آتي إلى المزرعة. لم يكن ذلك سهل بالطبع، فقد كان له ثمن كبير، ولكن كان ذلك اختياري، فقررت التخلي عن رفاهيات كثيرة لأبتعد عن الضغوط. وإن الجميع لديه الاختيارات، حتى لو كان اختيار مختلف في نطاق مختلف، ولكن تقليل الضغوط وأسباب التوتر شيء أساسي. فلا يوجد أمر يستحق أن أخسر عمري بسببه لأنه يجعلني في حال ضغط وتوتر كل يوم.
- معالجة أي مشكلة معوية
وقد تحدثت عن ذلك مرارا في مقالات وحلقات سابقة.
- النوم
فأي شخص ينام طوال النهار ويستيقظ طوال الليل لا يحصل على عدد ساعات كافي من النوم، لذلك فهو يقتل نفسه ببطء. فقلة النوم تزيد من معدلات الالتهاب، فلا يستطيع الجسد أن يقوم بعمل الصيانة الدورية التي يجب أن يقوم بها كل يوم. فالأبحاث تقول أن قلة النوم تزيد من فرص إصابتك بالسكري والسكتات الدماغية.
احموا أنفسكم من الالتهاب طويل الأمد منخفض الدرجة، وبذلك تكونوا قد حميتم أنفسكم من أمراض كثيرة جدا كان من الممكن أن تصابوا بها. ستحمون أنفسكم من مضاعفات أي مرض أنتم مصابون به بالفعل، وتستطيعون التعافي من أمراض يدّعون أن لا علاج لها، ولكن سببها جميعها الالتهاب طويل الأمد منخفض الدرجة مثلما تعافيت من الروماتويد.
أنتم أيضا تستطيعون أن تكونوا قصة نجاح وتعاف وتغلب على المرض. فالأمر ليس صعبا، ولكنه يحتاج قليلا من الوعي بأجسامنا وما يحصل فيها، ووعي بالسبب الحقيقي للمرض ومحاربته.